الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
صدمت شركة الذكاء الاصطناعي “دِيب سِيك” DeepSeek الصينية الجميع، بسبب ما تقدمه من تقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة، وبتكلفة تطويرية لم تتجاوز ملايين الدولارات، مقارنة بمليارات أنفقتها شركات التكنولوجيا الأمريكية العملاقة على منصات مشابهة، فهل هذا التباين بين التكلفة والكفاءة يشكل تحدياً حقيقياً للشركات الأمريكية، الرائدة في مجال التكنولوجيا المتقدمة، ويثر قلقها بشأن مستقبل هيمنتها على التكنولوجيا العالمية؟
ظهور “دِيب سِيك” في هذا التوقيت يحمل رسالة صينية واضحة، وهي أن “بكين” ليست فقط قادرة على المنافسة، بل على تقديم تكنولوجيا مبتكرة وفعالة من حيث التكلفة، وهذه الخطوة لم تكن مجرد استعراض لقدرات الصين التقنية، بل بداية لتحول استراتيجي تسعى من خلاله لتحقيق استقلال تقني كامل، فالولايات المتحدة التي لطالما هيمنت على التكنولوجيا العالمية من خلال شركات ضخمة جدا، تواجه الآن تهديداً غير مسبوق، و “دِيب سِيك” ليست سوى البداية وبمثابة رأس جبل جليدي يخفي تحته طموحات صينية هائلة لتفكيك نظام التكنولوجيا العالمي القائم على الهيمنة الأمريكية.
انعكاسات هذا التطور الصيني على الاقتصاد الأمريكي لم تكن أقل دراماتيكية، فالأسواق المالية الأمريكية – التي تعتمد بشكل كبير على التقييمات المرتفعة لشركات التكنولوجيا الكبرى – شهدت صدمة انعكست في انخفاض مؤشرات الأسهم الرئيسية، فقد تعرضت أسهم هذه الشركات لتراجعات ملحوظة خلال الأسبوع الأول من الإعلان عن منصة “دِيب سِيك”، مثل أسهم شركة “إنفيديا” التي انخفضت بنسبة 18%، مما أدى لخسارة 560 مليار دولار من قيمتها، وأسهم “مايكروسوفت” وأسهم “آلفابيت”، مما أدى إلى خسائر مجمعة تجاوزت 240 مليار دولار من قيمتها السوقية.
في المقابل، كان لهذا التطور تأثير إيجابي على الاقتصاد الصيني، حيث ارتفعت أسهم شركات التكنولوجيا المحلية مثل “تنسنت” و”علي بابا” خلال نفس الفترة، مما يعكس ثقة المستثمرين المحليين والدوليين في قدرة الصين على قيادة الموجة المقبلة من الابتكار التكنولوجي، وتحفيز النمو الاقتصادي الصيني بطرق متعددة، فالمنصة ستعزز من قدرة الصين على خلق المزيد من الوظائف ذات القيمة العالية في القطاعات التكنولوجية المتقدمة والبحث والتطوير، وستسهم في تعزيز صادرات الصين من التكنولوجيا والخدمات التقنية، مما يفتح آفاقاً جديدة للشركات الصينية في الأسواق العالمية، كما أن النجاح المذهل لها سيحفز المزيد من الاستثمارات المحلية والدولية في الشركات الناشئة الصينية، وهذا يقوي النظام البيئي للابتكار في الصين ويدفع عجلة اقتصادها نحو نمو أكثر استدامة.
القلق الأمريكي من تأثير هذا التطور ليس فقط لاعتبارات اقتصادية، بل إدراك بأن النظام العالمي الذي شكلته على مدار عقود ربما يكون على اعتاب إعادة ترتيب، فخطوة تدشين “دِيب سِيك” تكون الصين قد أعلنت عن بداية حقبة جديدة في المنافسة التكنولوجية، بحيث لم يعد المال وحده هو العامل الحاسم، بل الرؤية الاستراتيجية والكفاءة والقدرة على الابتكار في بيئة معقدة ومحدودة الموارد، مما يعزز استقلالية الأسواق العالمية والتخلي عن الاعتماد المفرط على التكنولوجيا الأمريكية، واستكشاف بدائل جديدة أكثر تنوعاً وأجدى تكلفة وأقل خضوعاً للضغوط الجيوسياسية.
لذلك، الولايات المتحدة وكعادتها في الاستجابة الفورية للتحدي، بما تمتلكه من إمكانات مالية ضخمة، وقواعد بحثية متقدمة، وبيئة ابتكار مرنة، ستعمل على إعادة تشكيل استراتيجياتها لمواجهة التحدي الصيني أو أي تحديات أخرى، فالقدرة الأمريكية على تعزيز الاستثمار في التقنيات الناشئة، واستقطاب الكفاءات العالمية، وتطوير بدائل أكثر تقدماً يضمن لها البقاء المهيمن على ساحة التكنولوجيا، وسيكون العالم – أمام التحدي الحاصل بين العملاقين – على موعد مع بداية مرحلة جديدة من المنافسة التي ستقوده إلى مستويات غير مسبوقة من الابتكار والنمو.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال