الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
من الضروري أن يكون العالم مستعدًا لموجة التضخم الاقتصادي المقبلة، حيث تلوح في الأفق تحديات كبيرة. من أبرز هذه التحديات الحرب الاقتصادية المتوقعة مع تولي ترامب زعامة البيت الأبيض، واستمرار الحروب في مناطق مختلفة من العالم، وانخفاض أسعار النفط. هذه العوامل مجتمعة تشير إلى أن العالم مقبل على مواجهة تضخم اقتصادي قد يكون له تأثيرات واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي.
هل نحن مقبلون على تضخم جديد؟ وما الانعكاسات المتوقعة؟ تتزايد المخاوف الاقتصادية حول العالم بشأن عودة التضخم وارتفاع الأسعار، والسعودية ليست استثناءً من هذا القلق. التضخم هو ارتفاع مستمر في مستوى الأسعار العامة للسلع والخدمات، مما يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية للعملة. معدل التضخم الحالي في السعودية بلغ 1.9% في أكتوبر 2024، وتسارع إلى 2% في نوفمبر 2024. هذا التسارع يثير تساؤلات حول ما إذا كنا مقبلين على موجة جديدة من التضخم وما هي الانعكاسات المتوقعة لذلك.
أحد الأسباب الرئيسية لارتفاع التضخم هو ارتفاع أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى. هذه الفئات تمثل جزءاً كبيراً من إنفاق الأسر، وبالتالي فإن أي زيادة في أسعارها تؤثر مباشرة على مستوى المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، هناك عوامل داخلية وخارجية أخرى تؤثر على التضخم، مثل زيادة الطلب المحلي على السلع والخدمات، والاضطرابات في سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع أسعار المواد الخام. بناءً على التوقعات الحالية، يُعتقد أن التضخم سيكون مرتفعًا في عام 2025 بسبب التحول الاقتصادي حيث تسعى السعودية لتحقيق أهداف الرؤية 2030، مما يتطلب استثمارات كبيرة في مشاريع ومبادرات جديدة. تذبذب قيمة الدولار الأمريكي وارتفاع أسعار المواد الأساسية قد يؤديان إلى زيادة تكلفة المعيشة. بالإضافة إلى التغيرات في السياسات التجارية التي قد تؤثر على تكاليف الواردات والصادرات.
يمكن أن يؤثر التضخم على الاستثمارات والنمو الاقتصادي في الكثير من البلدان، ففي بيئة تضخمية، قد تتردد الشركات في الاستثمار أو توسيع عملياتها بسبب زيادة التكاليف وعدم اليقين الاقتصادي. تؤثر التغيرات في معدل التضخم على السياسات النقدية والمالية للحكومة، وقد تضطر السلطات النقدية إلى تعديل أسعار الفائدة أو اتخاذ تدابير أخرى للسيطرة على التضخم والحفاظ على استقرار الاقتصاد. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر التضخم على الأسعار والتجارة الداخلية والخارجية، حيث يمكن أن تؤدي الزيادات في تكلفة الإنتاج إلى زيادة أسعار السلع المحلية والتصدير. وفقاً للمؤشرات الاقتصادية الحالية، يُتوقع أن يكون متوسط التضخم العالمي حوالي 3.5% إلى 4%، ومع ذلك، يمكن أن تتغير هذه التوقعات بناءً على التطورات الاقتصادية والسياسية العالمية. كما يُتوقع أن تظل أسعار الإسكان والماء والكهرباء مرتفعة بسبب الطلب الزائد والنقص في المعروض، مما قد يستمر في دفع التضخم إلى الأعلى. أيضاً، قد تظل أسعار الغذاء والمشروبات مرتفعة بسبب التأثيرات العالمية على الإنتاج الزراعي، بينما قد تظل أسعار النقل مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الوقود.
منذ آخر تحديث في نوفمبر 2024، ارتفعت مؤشرات أسعار السلع الزراعية وسلع التصدير والحبوب بنسبة 12% و25% و1% على الترتيب. زادت أسعار الكاكاو والبن بنسبة 28% و26%، مما أثر على مؤشر أسعار الصادرات. ارتفعت أسعار الذرة والقمح بنسبة 3% و2%، بينما انخفضت أسعار الأرز بنسبة 2%. على مدار عام، انخفضت أسعار الحبوب في نوفمبر بنسبة 9% للذرة، و10% للأرز، و2% للقمح. في ديسمبر 2024، أشارت نشرة رصد الأسواق إلى أن الأسعار العالمية للقمح والذرة والأرز وفول الصويا كانت أقل مما كانت عليه في 2023، مما يعكس استقرار السوق العالمي لموسم التسويق الحالي. ومع ذلك، أثرت الظروف المناخية لعام 2024، الذي يُتوقع أن يكون الأدفأ على الإطلاق، على غلات المحاصيل بطرق متفاوتة، مما يبرز ضعف الأنظمة الزراعية أمام اختلالات الطقس.
وفقاً لتقرير التوقعات العالمية لبرنامج الأغذية العالمي لعام 2025، يعاني ما يقدر بنحو 343 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي الحاد في 74 بلداً، بزيادة قدرها 10% عن عام 2023. لا تزال الصراعات والعوامل الاقتصادية وتغير المناخ هي الدوافع الرئيسية لانعدام الأمن الغذائي، حيث يعيش 65% من الأشخاص الذين يعانون انعدام الأمن الغذائي الحاد في البلدان الهشة أو المتأثرة بالصراعات.
تعهد البنك الدولي في مايو 2022 بتوفير 30 مليار دولار على مدى 15 شهرًا لمعالجة الأزمة، وتجاوز هذا الهدف، حيث قدم 45 مليار دولار شملت قروضًا جديدة ومشروعات قائمة. تمتد محفظة مشروعات الأمن الغذائي والتغذوي لدى البنك الآن لتغطي 90 بلدًا حول العالم، وتشمل أنشطة قصيرة الأجل وطويلة الأجل لتعزيز الإنتاجية والزراعة المراعية لتغيرات المناخ، وقد استفاد منها 335 مليون نسمة.
يبقى السؤال الرئيسي، هل تستطيع دول الدخل المتوسط وأقل من المتوسط والدول الفقيرة التي تعاني من الديون الكبيرة مواجهة هذا التضخم المتوقع؟ بينما تتجه الأضواء إلى الدول المتقدمة واستراتيجياتها الاقتصادية، فإن التحديات التي تواجهها هذه الدول تتطلب اهتمامًا خاصًا. القدرة على التكيف مع الأزمات الاقتصادية المتصاعدة ستكون بمثابة اختبار كبير لقدرة هذه الدول على الابتكار والتعاون مع المجتمع الدولي لضمان الاستقرار الاقتصادي والازدهار لمواطنيها في ظل الظروف الصعبة المقبلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال