الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن علوم الإحصاء وتحليل البيانات أصبحت حجر الزاوية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية وتحقيق الأهداف الوطنية في مختلف الدول والمجتمعات المتقدمة القائمة على التخطيط والرؤى المستقبلية، لاسيما في هذا العصر الذي يُطلق عليه عصر التحول الرقمي والبيانات الضخمة، والذي تتطور فيه المعرفة البشرية بسرعة مذهلة، وفي مقال للبروفيسور جمال السويدي منشور في صحيفة الاتحاد، “أشار إلى تسارع وتيرة تضاعف المعرفة البشرية بشكل غير مسبوق، كما أوضح ذلك المفكر الأميركي ريتشارد فولر في كتابه (المسار الحرج)، حيث ذكر فولر أن ما يُعرف بـ”منحنى مضاعفة المعرفة” كان يشهد تضاعفًا للمعرفة البشرية كل قرن تقريبًا حتى عام 1900، ثم تقلصت هذه المدة إلى 25 عامًا بحلول منتصف القرن العشرين.
حاليًّا، تتضاعف المعرفة بمعدلات مختلفة حسب التخصصات؛ ففي تقنية النانو تتضاعف المعرفة كل 24 شهرًا، بينما في المجالات الطبية والصحية كل 18 شهرًا.
وقدّر العلماء سابقًا أن المعرفة البشرية كانت تتضاعف كل 13 شهرًا في المتوسط عبر المجالات. ومع ذلك، يشير السويدي إلى أن التطورات الحالية في الذكاء الاصطناعي، المدعومة بتقنيات حديثة مثل ذكاء الآلة وإنترنت الأشياء، قد دفعت شركة IBM الأميركية لتوقع أن المعرفة البشرية ستتضاعف كل 12 ساعة فقط”.
ولا شك أن هذه المعدلات الهائلة بل الخيالية من تضاعف البيانات سوف تحتاج بكل تأكيد إلى تأهيل ودراسة من نوع ما، بحيث يتمكن الخريجون الجدد من التفاعل مع ذكاء الآلات والتعامل معها بطريقة علمية معينة، فبطبيعة الحال فإن التعامل مع الآلات الذكية الحالية والمستقبلية لن يكون كما يتعامل الإنسان مع الآلة الكاتبة البدائية التي صُنعت عام 1714م، ولابد من تأهيل علمي وأكاديمي معين للأجيال المستقبلية لتدريبها على استيعاب هذا الكم الهائل من التطور، والتعامل مع هذا القدر اللامتناهي من البيانات والقدرة على معالجتها وتحليلها وتسخيرها لخدمة خطط التنمية المستدامة.
ويُعد الاستثمار في تطوير المهارات الاحترافية من خلال الدراسة الأكاديمية والحصول على شهادات مهنية متخصصة أحد الركائز الأساسية لتطوير رأس المال البشري، ولتحقيق تطلعات الأفراد والمؤسسات في سوق العمل. وفي المملكة العربية السعودية تبرز أهمية هذا الاستثمار في إطار رؤية 2030، التي تسعى لتحفيز النمو الاقتصادي القائم على المعرفة والابتكار وتحقيق التنمية المستدامة من خلال تعزيز الكفاءات البشرية.
ومع تزايد الاعتماد على البيانات الضخمة (Big Data) والتحليل المتقدم لاتخاذ القرارات الاستراتيجية، أصبحت الدراسة الأكاديمية في علوم الإحصاء والبيانات والحصول على شهادات مهنية متخصصة فيها ضرورة للمتخصصين في هذا المجال، فاختيار التخصص المناسب للشهادة المهنية يُعد خطوة حاسمة لتحقيق أقصى استفادة بعد الدراسة، ويتم ذلك من خلال عدة أمور منها: تحديد الهدف الوظيفي الذي يسعى إليه الشاب أو الفتاة بمعنى اختيار الشهادة التي تتماشى مع مسار العمل المستقبلي، ثم يأتي بعد ذلك ضرورة تقييم احتياجات السوق حتى لا يحدث تكدس للخريجين في تخصصات أكاديمية لا حاجة فعلية إليها في سوق العمل، وهنا ينبغي للشباب والفتيات التركيز على تعلم المهن والمهارات المطلوبة الآن وفي المستقبل في سوق العمل السعودي، مثل تحليل البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي، وينبغي تحقيق التوازن بين الخبرة العملية والمعرفة النظرية، فالشهادات المهنية تساعد في سد الفجوة بين ما يتم تعلمه أكاديميًا وما يتطلبه السوق.
وتُظهر الدراسات أن الأفراد الحاصلين على شهادات مهنية متخصصة في المجالات التي يحتاجها سوق العمل فعليا يتمتعون بفرص وظيفية أفضل ورواتب أعلى مقارنة بنظرائهم غير الحاصلين على تلك الشهادات. علاوة على ذلك، فإن الشهادات المهنية تُعزز من ثقة أصحاب العمل في كفاءة الموظفين، مما يُساهم في تقليل الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، مع الأخذ في الحسبان أن نحو 40 إلى 50٪ من المهن المعروفة حاليًّا قد تنقرض أو تتآكل في غضون سنوات قليلة قادمة بسبب ثورة الذكاء الاصطناعي.
صفوة القول إن الدراسة الأكاديمية هي برامج تعليمية متخصصة للحصول على شهادات مهنية معينة تهدف إلى تطوير مهارات الأفراد في مجالات محددة وتعزيز خبراتهم العملية، وفي مجال علوم الإحصاء والبيانات يتوفر العديد من الشهادات المهنية التي تحظى باعتراف عالمي، مثل:
وغني عن البيان وإعادة القول أن رؤية المملكة 2030 تُركز على بناء اقتصاد قائم على المعرفة، وتطوير رأس المال البشري وتعزيز الابتكار الرقمي واستخدام البيانات، وتعزيز دور التقنية والتحليل في اتخاذ القرارات في مختلف القطاعات، وفي هذا السياق فإن الدراسة الأكاديمية والشهادات المهنية تسهم في تحفيز الابتكار ودعم اتخاذ القرار من خلال تطوير قدرات تحليل البيانات لدى الأفراد، مما يساهم في تحسين جودة القرارات الحكومية والخاصة. كما أنها تسهم في تعزيز الكفاءة الإنتاجية والتشغيلية عبر تمكين الكوادر الوطنية من استخدام أحدث تقنيات التحليل الإحصائي والبيانات، وهذا بدوره يسهم في رفع الكفاءات، وتحسين أداء المؤسسات، ودعم وتسريع التحول الرقمي في القطاعات المختلفة، وزيادة فرص التوظيف خاصةً في مجالات التحول الرقمي، والابتكار، والتنمية الاقتصادية وتحقيق الاستدامة في القطاعات المختلفة؛ لذا يجب أن نوقن أن الاستثمار في التعليم والتدريب المهني هو في الواقع استثمار من أجل مستقبل وتطلعات المملكة واقتصادها القائم على المعرفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال