الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أحدثت الثورة الرقمية تحولات جذرية في اقتصاديات العديد من الدول حول العالم حيث أصبحت التكنولوجيا الرقمية المحرك الأساسي للتنمية الاقتصادية وتعزيز الإنتاجية وتحقيق الاستدامة. وعلى الرغم من أن بعض الدول استطاعت أن تستفيد من هذه التحولات وتحقق قفزات هائلة في قطاعاتها الاقتصادية المختلفة إلا أن الدول النامية لا تزال تواجه تحديات كبيرة في تبني التحول الرقمي والاستفادة من إمكاناته لدعم نموها الاقتصادي.
يمثل الاقتصاد الرقمي فرصة كبيرة للدول النامية إذ يتيح لها إمكانية تسريع عملية النمو الاقتصادي عبر تقليل التكاليف وزيادة الإنتاجية وفتح آفاق جديدة للاستثمار. إلا أن هذه الدول تواجه صعوبات عديدة في تحقيق التحول الرقمي وعلى رأسها ضعف البنية التحتية الرقمية وغياب السياسات الواضحة لدعم التحول الرقمي بالإضافة إلى نقص الكفاءات المتخصصة في المجالات التقنية الحديثة. فالتحول الرقمي لا يقتصر على توفير الإنترنت أو استخدام الكمبيوترات بل هو منظومة متكاملة تشمل تطوير شبكات الاتصال وتعزيز الابتكار في البرمجيات وتأهيل القوى العاملة لاستخدام التكنولوجيا الحديثة بكفاءة إلى جانب تبني سياسات تنظيمية تضمن الحماية السيبرانية وتحفز الاقتصاد الرقمي.
إن التحول الرقمي ليس مجرد رفاهية بل أصبح عنصراً أساسياً في تحسين تنافسية الدول على المستوى العالمي حيث يساهم في تحسين الخدمات العامة وزيادة الكفاءة الإنتاجية وتقليل البيروقراطية كما يوفر فرصاً كبيرة للشركات الصغيرة والمتوسطة التي يمكنها من خلال التكنولوجيا الوصول إلى الأسواق العالمية بسهولة. غير أن تطبيق التحول الرقمي في الدول النامية يحتاج إلى استثمارات ضخمة في البنية التحتية بالإضافة إلى سياسات حكومية تدعم رواد الأعمال والشركات الناشئة في القطاع الرقمي.
في هذا السياق تعد السعودية واحدة من الدول التي أدركت أهمية التحول الرقمي مبكراً وسعت إلى تحقيقه من خلال رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الرقمنة إحدى ركائزها الأساسية. وقد انعكس ذلك على الأداء الاقتصادي للمملكة حيث احتلت السعودية المركز الرابع عالمياً في الخدمات الرقمية كما نجحت في تقليص مدة بدء العمل التجاري إلى 30 دقيقة فقط وأصبح استخراج السجل التجاري يتم في أقل من 3 دقائق مما يعكس التحسن الهائل في بيئة الأعمال الرقمية.
علاوة على ذلك شهدت المملكة قفزة نوعية في نسبة تغطية الإنترنت حيث تجاوزت 73% كما تخطت نسبة انتشار الهواتف الذكية 80% وهو ما يعكس التحول الرقمي السريع الذي تعيشه البلاد. وقد استثمرت الحكومة السعودية بكثافة في تطوير البنية التحتية الرقمية حيث تم تعزيز تقنيات الجيل الخامس وتحفيز الابتكار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء والحوسبة السحابية مما جعلها بيئة جاذبة للاستثمارات التقنية.
لكن رغم هذه النجاحات لا يزال هناك تحديات تواجه الدول النامية في سعيها للتحول الرقمي فإلى جانب الحاجة إلى استثمارات ضخمة في التكنولوجيا الحديثة تعاني هذه الدول من نقص في الكفاءات المتخصصة في هذا المجال. ولهذا فإن أحد الحلول الفعالة يكمن في التركيز على تطوير التعليم الرقمي من خلال توفير برامج تدريبية للشباب في مجالات التقنية ودعم المؤسسات التعليمية لدمج مهارات الاقتصاد الرقمي في مناهجها.
ومن أجل تحقيق استفادة حقيقية من التحول الرقمي تحتاج الدول النامية إلى تطوير بيئة تنظيمية مرنة بحيث يتم تسهيل عمليات التحول إلى المعاملات الرقمية وتشجيع الشركات على اعتماد التكنولوجيا الحديثة وتوفير حوافز للاستثمار في القطاع الرقمي. كما ينبغي تعزيز الأمن السيبراني لحماية المعلومات وضمان سلامة المعاملات الإلكترونية إذ أن فقدان الثقة في البيئة الرقمية قد يشكل عائقاً أمام تطور هذا القطاع.
أخيراً لا شك أن التحول الرقمي يشكل أحد أهم الركائز التي يمكن أن تعتمد عليها الدول النامية لتحقيق التنمية الاقتصادية وتحسين جودة الحياة لمواطنيها وتعزيز قدرتها على المنافسة في الاقتصاد العالمي. إن التجربة السعودية في تبني التحول الرقمي تثبت أن الاستثمار في التكنولوجيا يمكن أن يكون مفتاحاً لرفع الناتج المحلي وتحقيق قفزات نوعية في مجالات متعددة. ولذلك فإن على الدول النامية أن تبادر إلى وضع استراتيجيات واضحة لتبني الرقمنة والاستفادة من الإمكانيات التي يوفرها الاقتصاد الرقمي لبناء مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال