الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تتسم عمليات التقاضي بخصائص متعددة، وسمات متغيرة، تشترك جميعها في كونها ذات طبيعة متأثرة، والتأثر فيها غير مستقر، أو محدد بمرحلة معينة، ولذا كثيراً ما تتأثر عمليات التقاضي بنتائج ما يسبقها من إجراءات، وما يلزم لها من تحضيرات، ومن نافلة القول أن الإدارات القانونية في أغلب الجهات والقطاعات، هي من تنفرد بجانبين أساسيين لهما تأثير بالغ هما: إدارة عمليات التقاضي، والثاني: النظر في البذور الأولية لأي خلاف أو شكوى أو تظلم، حتى وإن كان مرده في أساسه، عدم الفهم الكامل من الشاكي أو المتظلم للإجراء أو مقصده أو متطلباته اللازمة لأخذ الجهة به في حالته، وعادة ما تتسم معالجات الإدارات القانونية، بنظرة قاصرة على الفقرة الجزئية من النص القانوني، وتتبع لمسارات الخطوات الإجرائية المتعلقة بها، دون اعتبار لكامل الفكرة المنهجية التي بني عليها النظام، وأوكل للجهة تنفيذه، كما يغلب على تلك الإدارات في طبيعة عملها ثلاثة أمور رئيسية، سيأتي المقال عليها بشيء من التفصيل، لتكون قاعدة مشتركة، في الوصول إلى نتيجة في مقدور جهات الإدارة تطبيقها، بل في مقدور وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية تحديداً، أن تكون صاحبة السبق في الأخذ بها، وتقديم نموذج حي بثمار يانعة، دون أن يفهم من ذلك التفصيل النيل من الإدارات القانونية، أو التقليل من كوادرها، أو تحجيم ما حققته، وما تحققه من منجزات، فالأمور الغالبة نتيجة تراكم لسنوات، وأثر لتعاقبات متتالية، سواء على مستوى الأفكار التنظيمية الكبرى، أو المنهاج الإدارية، أو منهجيات التطبيق المتعددة، وتتمثل تلك الأمور الرئيسية التي تغلب علي الإدارات القانونية في طبيعة عملها في أمور ثلاثة هي:
الأول: السير تحت ظل جملة من المعتقدات السائدة، التي كثيراً ما تؤثر على مبدأ المعالجة، والتصحيح بالمنظور الشامل – والذي هو من جملة المعطيات المؤثرة في عمليات التقاضي – ومن أبرزها التفكير المتطابق بين أفرادها في اقتصار المعالجات على المسار القانوني النصي، مع غلبة تشجيعهم عليه فيما بينهم، دون قصد مباشر، وبعدهم عن الأخذ بأي نهج آخر يفسح المجال لأشكال مختلفة من المعالجات الإجرائية، دون أي مخالفة نظامية، فضلاً عن ابتكار خطوات وقائية جديدة، ومن تلك المعتقدات المؤثرة أيضاً: مبدأ الخصومة، وافتراضه بشكل تلقائي، فكل تظلم أو شكوى، هي خطوة تصعيدية باتجاه التقاضي، والشاكي أو المتظلم في معرفته إنما هو بمنزلة موظفي الجهة، وأفراد إدارتها القانونية، في العلم بكامل التفاصيل القانونية والتنظيمية، والعمليات الإدارية السابقة واللاحقة، وسير الإجراءات الداخلية لحالته، وأنه على درجة عليا من الاستيعاب الشامل للإيضاح الذي حدثه به الموظف المباشر، أو الإجابة القانونية التي قدمت له في سياقها القانوني الحرفي، مع أن الواقع الحقيقي هو على العكس من ذلك.
والثاني -مما يغلب على الإدارات القانونية في طبيعة عملها – تقمصها الكامل لدور الجهة القضائية، في انتهاء دوره بإصدار الحكم القضائي، وأبرز شاهد على ذلك التقارير الصادرة عن تلك الإدارات، فيما يتعلق بالقضايا التي تخص الجهة، سواء صدرت لصالحها أو ضدها، فكل ما يندرج تحت ذلك هو مسار إجرائي تنفيذي، يقتصر في الحالة الأولى على تنفيذ الحكم، إن كان صدوره لصالحها في الجانب الإيجابي، أو بحفظ القضية إن كان صدوره لصالحها في الجانب السلبي، برفض دعوى المدعي، أما في الحالة الثانية فدور الإدارة القانونية محصور في استنفاذ الوسع في المسار القضائي، بتقديم طلب النقض، وتعليق الموضوع لحين الفصل فيه من المحكمة المختصة، ولاحقاً بالتعامل مع نتيجة الحكم بالخضوع للتنفيذ، أو العودة للسير القضائي، فالتقرير هو مجرد مذكرة خاصة بالمعلومات، ولا تصنف كأداة إدارية لصانع القرار، لافتقارها للتشجيع على اتخاذ الإجراء المناسب، في الوقت المناسب، وفي الاتجاه الصحيح، الذي هو في حقيقته، المنظور الشامل للمعالجة والتصحيح، الذي تسير عليه بقية الإدارات والأقسام في الكيانات والجهات.
وأما الأمر الثالث -مما يغلب على الإدارات القانونية في طبيعة عملها – فهو: أن التطورات التي تصاحب العمل المؤسسي، عادة ما تساير الإدارة القانونية في الإقرار باستقلاليتها، وحظوتها بخصوصية فريدة، نابعة من تعقيدات متصورة عن طبيعة الأعمال القانونية، ولذا ينحصر جانب التطوير فيها عادة، على جوانب شكلية، ونماذج إجرائية، وترتيبات مسارية، لذات الخطوات القديمة، دون أي مساس بمنهجيات العمل وقواعده، أو استراتيجياته العامة، التي عادة ما تتسارع عمليات تحديثها، كنتيجة حتمية تتعلق بالعمل المؤسسي وبيئات ممارسته، فتطور منهجياته، والخبرات المتحصلة من تطبيقاته، وتداخل مهامه بين الإدارات، وتشعب مساراته، أوجد تعدداً في الأساليب، ونّوع من أشكال النظر وزواياه، وهو ما أحدث ثورة في طرق الوصول للنتائج، لتفوت على تلك الإدارات جملة من الفرص الجمة، التي تسهم بقفزات نوعية خاصة فيما تنفرد به الإدارات القانونية، مما سبقت الإشارة له، ويتحقق بها تقليص لكثير من عمليات التقاضي، وتخفيف لوتيرة التصعيد الذي قد يصاحب مراحل المعالجة الأولية، نتيجة اقتصار الإدارة القانونية في النظر والمقابلة، واتخاذ سبل المعالجة، على حرفية النص الجزئي من القانون المطبق، الذي ترى الإدارة أنه مسار المعالجة الوحيد، دون مراجعة للنظام بأكمله، وقراءاته بأعين الإدارات الأخرى، وزوايا الرحابة الإجرائية المتعددة، حتى وإن كانت في غير مظانها من ذلك النظام.
إن من المفاهيم الحديثة المؤثر في قواعد العمل المؤسسي مفهوم تجربة العميل، الذي يُعنى عادة بالتنظيم، والتوجيه والإشراف، والتمكين والحوكمة لتجربة العملاء، بما يضمن تقديم خدمات فعالة ومتجددة، تتسم بالاستباقية واستشعار احتياجاتهم، وبناء الترابط الفعال، بهدف تحقيق تجربة سلسة، وإيجابية ومتكاملة، تلبي التطلعات وتحقق رضا العملاء وسعادتهم، وقد أحدث المفهوم تغييراً محورياً، وساهم في إحداث نقلات نوعية، على مستوى القطاعات الخدمية حكومية كانت أو خاصة أو غير ربحية، وتقديم أفضل التجارب للعملاء/المستفيدين، وذلك بالعمل على توقع احتياجاتهم، وتصميم تجربتهم، ومرافقتهم في جميع مراحل رحلتهم، مع المنتج أو الخدمة، إضافة لمعالجة الإشكالات التي قد تعترض، أو تربك من مسار تجربتهم، وتعيق استيعابهم للمنتج/الخدمة، وما يقترن بها من حقوق وواجبات، وما يلزم من شروط للوفاء بها.
وبالنظر في الجهات الحكومية نجد بأن جزءاً كبيراً من ممارسة اختصاصاتها، يتمحور حول تقديم جملة من الخدمات المتنوعة ذات المساس المباشر بالأفراد في المقام الأول، إضافة لغيرهم من الكيانات، ولذا ليس بمستغرب أن نلمس حراكاً لعدد من الجهات الحكومية في ذلك الاتجاه، والذي حظيت بقصب السبق فيه -على المستوى المحلي – وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بإنشائها لأول وكالة لتجربة العميل في جهة حكومية بالمملكة العربية السعودية عام 2019م، هدفت من خلالها إلى تمكين عملاء الوزارة، وتسهيل حياتهم، من خلال توقع احتياجاتهم، وتقديم تجارب فعالة ومرضية، بالتركيز على العملاء، وقيم المسؤولية المجتمعية، والمشاركة، والتعاون، والتميز، وفقاً لالتزامات واضحة، حددتها الوزارة لتفهم احتياجات عملائها، وتوضيح حقوقهم وواجباتهم، وتسهيل تجربتهم، وحل مشاكلهم، والسعي لإرضائهم، وتمكين خطوط الوزارة الأمامية التي تقع في مواجهتهم، ويكشف الهيكل التنظيمي وجود تلك الوكالة تحت إشراف أحد نواب الوزير، وهي وكالة تسعى إلى تقديم خدمات ترتقي لطموحات العملاء المستفيدين من خدمات الوزارة، وتعمل على تحسين تجاربهم وتذليل جميع الصعاب أمامهم، وتضم الوكالة عدداً من الإدارات العامة منها: إدارة تجربة العميل، وإدارة العناية بالعملاء، وإدارة التواصل المؤسسي، وإدارة ابتكار المنتجات وتطوير الخدمات، وقد حصدت الوكالة عدداً من الجوائز منها: الجائزة البرونزية لأفضل برنامج لصوت العميل عام 2020م، وجائزة الفئة الذهبية في فئة قائد تجربة العميل عام 2020م، والمستوى الخامس في تقييم المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة الحكومية “أداء” للنضج المؤسسي في مجال إدارة تجربة العميل عام 2021م، والبين من حراك الوزارة، وحصدها لتلك الجوائز، أنها نجحت في إثراء التحوّل في تجربة العميل والعناية به، من خلال رفع جودة خدماتها المقدمة للأفراد، واستخدام الأدوات الاستباقية والتفاعلية الرقمية، وتوفير العديد من القنوات التفاعلية مثل مركز الاتصال، وتعزيز المشاركة المجتمعية من خلال إشراك الجمهور في رسم السياسات وصنع القرارات، وتقييم جودة الخدمات المقدمة لهم.
إن الأخذ بمنظور تجربة العميل، في معالجة المسائل القانونية، وعمليات التقاضي، ميدان خصب للحصول على قراءات مختلفة، لكثير من الشكاوى والتظلمات، ويعد فعل [القراءة هذا] فعلاً متبصراً على وجه الخصوص؛ لأنه سيسهم في خلق الحلول، ومساعدة الإدارات القانونية في الخروج من تأثير ما غلب عليها من معتقدات، أثناء مباشرتها لأعمالها، وأجد أن وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية – حتى مع ما يكشفه هيكلها التنظيمي من بعد ظاهر للترابط بين الشؤون القانونية والإدارة التي تتبعها وكالة تجربة العميل – هي الأقدر بإذن الله على تقديم تجربة رائدة، في تطبيق المفهوم على الشأن القانوني، وعمليات التقاضي، من خلال تحقيق اتصال هيكلي بين الوكالة، والشؤون القانونية التي ترتبط بالوزير، لإتاحة الفرصة للوكالة في تقديم قراءات جديدة للفريق القانوني ابتداء، والسعي لمراجعة الإشكالات القائمة، فضلا عن تدارك العمليات القضائية القائمة، وتقديم المعالجة الموافقة للنظام، وفقاً للإجراءات القانونية السليمة، وإنهاء العمليات القضائية ما أمكن، ثم الانتهاء بتحليل شامل لكافة عمليات التقاضي القديمة، والحديثة، لتضاعف من سبقها في تقديم تجربة رائدة لبقية الجهات الحكومية.
إن سبر أغوار عمليات التقاضي التي تكشفها السوابق القضائية المنشورة، والتي كانت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية طرفاً فيها، تكشف عن أن من الجوانب ذات الأولوية في استعانة الشؤون القانونية بوكالة تجربة العميل هي: الإعانات المالية، للأشخاص ذوي الإعاقة، وأصحاب الفاقة والاحتياج، ففي عام 1439هـ صدر حكم إداري بإلغاء قرار الوزارة السلبي لأحد فروعها بالمنطقة الغربية، بالامتناع عن صرف الإعانة المالية، لمستفيد من الأشخاص ذوي الإعاقة، من تاريخ إيقافها عنه في شهر 1438هـ، بعد أن اضطر في منتصف عام 1438هـ للجوء للقضاء، كما صدر في عام 1440هـ حكم إداري بإلغاء قرار الوزارة بحل جمعية خيرية في إحدى المحافظات بالمنطقة الغربية بناء على مباشرة الوزارة لأقصى إجراء نظامي (حل الجمعية) تجاه بعض المخالفات، لم ترد ضمن الحالات التي حددها المنظم، كما أن المخالفات التي استندت لها الوزارة -وفقاً لما أوضحه الحكم – لا تؤدي بحال إلى حل الجمعية، وقطع نفعها عن المحتاجين والمعوزين، المسجلين في قوائمها، خاصة وأن المدعي في الدعوى، قد قدم ما يثبت سعي مجلس إدارة الجمعية، لدعم مواردها المالية، وعدم الاكتفاء بالدعم الحكومي، وثبت أمام القضاء مباشرة الجمعية لعملها، بصرف التبرعات لقوائم المستفيدين لديها، وأن الملاحظات على الجمعية، وفقاً لمحضر اجتماع اللجنة المشكلة من الوزارة، للنظر في أمر الجمعية، ليست مخالفات إدارية، أو فنية، وإنما مشاكل تتعلق بخلافات قبلية، وقد وجه القضاء الوزارة لأهمية اطراح الشكاوى متى ما كان دافعها شخصياً، ومحاسبة من يتسبب بتعطيل الأعمال الخيرية المنظمة، أو يتسبب في إشغال الجهات الرقابية بالشكاوى الكيدية، وفي عام 1443هـ ألغى القضاء الإداري كذلك، قراراً سلبياً لأحد فروع الوزارة في المنطقة الجنوبية، بالامتناع عن منح بدل السيارات المجهزة لمستفيد من الأشخاص ذوي الإعاقة، بعد أن اضطر للتوجه للقضاء بتاريخ:13-05-1442هـ.
إن تلك الشواهد من عمليات التقاضي، دليل على أن وكالة تجربة العميل، هي الأقدر على رؤية العملية القضائية، من ذات الزاوية التي يراها العميل، لا سيما زوايا نظر المستفيدين من خدمات الرعاية، وبرامج الدعم وتحقيق الاكتفاء وسد الفاقة المخصصة لفئات محددة من المجتمع، كما أن في مقدور الوكالة استنتاج روابط وعلائق عجيبة، في أبواب المعالجات الإجرائية، بالاستفادة من استراتيجيات عملها للحد من القضايا الإدارية، بل إنني على ثقة كبيرة بأن مباشرة وكالة تجربة العميل، لفحص تفاصيل عمليات التقاضي أمام المحاكم الإدارية من منظور عملها، ومرتكزاته الاستراتيجية المعلنة من الوزارة، والنقاط (12) التي حددتها الوزارة، بشأن ما تمكنه تجربة العميل لها، في شأن تحقيق أهداف رؤية 2030، لن تكون محصورة فقط في مراجعة نتيجة النزاع، وقراءة منطوق الحكم، بل هي دافع للوكالة في تحليل عمليات التقاضي إلى أقصى نقطة ممكنة لتحقيق جملة من النتائج المثمرة ومنها:
“سيكون لوكالة تجربة العميل في وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، من خلال ممارساتها التطبيقية للنهج التعددي، والنظر بأعين جديدة، فرصة إبداعية، لتقديم منجزات واقعية، في تحليل عمليات التقاضي، لتقويم تجارب العملاء، وإعادة تنظيم ما يلزم منها، وتقديم نموذج يحتذى به على المستوى المحلي والدولي”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال