الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تؤدي الصناديق السيادية وصناديق التقاعد، مثل صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، دورًا محوريًا في تعزيز النمو والتنويع الاقتصادي واستدامة الاستثمارات في المملكة العربية السعودية. وإلى جانب مسؤولياتها الاستثمارية، تتحمل هذه الصناديق مسؤولية جوهرية في ضمان حوكمة فعالة في الشركات التي تمتلكها بالكامل أو تمتلك فيها حصصًا مؤثرة، بما يسهم في تعزيز الكفاءة التشغيلية والمالية وضمان استدامتها. ورغم الأهمية الكبيرة لعملية اختيار أعضاء مجالس إدارات هذه الشركات، فإن غياب معايير واضحة ومعلنة قد يفتح المجال لاجتهادات فردية تفتقر إلى الموضوعية، مما قد يؤدي إلى تعيينات قائمة على المحاباة أو المصالح الشخصية بدلًا من اختيار الكفاءات الأنسب وفق أفضل الممارسات العالمية.
إن الحوكمة الفاعلة في تعيين أعضاء مجالس الإدارات لا تعني فقط الامتثال للأنظمة واللوائح، بل تتطلب تبني إجراءات شفافة وعادلة تضمن أن يكون الاختيار قائمًا على الكفاءة والخبرة، وليس على العلاقات الشخصية أو التوجهات الفردية للمسؤولين عن عملية التعيين. وتشير التجارب إلى أن الشركات التي تعتمد على معايير اختيار واضحة وموضوعية تحقق أداءً ماليًا وإداريًا أقوى، بينما تعاني الشركات التي تفتقر إلى الشفافية من ضعف في المساءلة وتراجع في الأداء، مما ينعكس سلبًا على ثقة المستثمرين وأصحاب المصلحة في قراراتها.
عند زيارة المواقع الإلكترونية لصندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، لم يُعثر على أي سياسات معلنة تحدد آليات الترشيح والتقديم أو معايير الاختيار بين المرشحين لعضوية مجالس إدارات الشركات التي يمتلكها هذان الصندوقان. إن غياب مثل هذه السياسات يمثل تحديًا جوهريًا، حيث يترك المجال مفتوحًا لاجتهادات فردية قد تفتقر إلى الموضوعية، مما يؤدي إلى مخاطر تشمل ضعف الحوكمة، وإمكانية استبعاد كفاءات وطنية مؤهلة، بل وقد يفتح المجال أمام ممارسات مثل المحاباة والمحسوبية، وهو ما يتعارض مع مبادئ الشفافية والنزاهة التي تسعى المملكة إلى ترسيخها ضمن رؤية 2030.
إن أهمية تبني سياسات واضحة وشفافة في اختيار أعضاء مجالس الإدارات تؤكدها التجارب الدولية التي نجحت في تحقيق حوكمة متقدمة في هذا المجال. فعلى سبيل المثال، يعتمد صندوق الثروة السيادي النرويجي على لجنة مستقلة للترشيحات تقوم بتحديد معايير الاختيار بناءً على الخبرة المالية والإدارية والاستدامة، كما يتم نشر تقرير سنوي يوضح أسماء المرشحين وأسباب اختيارهم، مما يعزز الشفافية وثقة المستثمرين. أما في سنغافورة، فيحرص صندوق تيماسيك على تبني معايير دقيقة لاختيار الأعضاء، تشمل الخبرة المالية والحوكمة، مع إلزام الأعضاء بتقديم تقييم سنوي لأدائهم لضمان استمرار فاعليتهم في مجالس الإدارات. وفي كندا، يطبق صندوق التقاعد الكندي آلية صارمة لمراجعة المؤهلات الأكاديمية والخبرات العملية لكل مرشح، مع اشتراط تقديم تقارير سنوية عن الأداء لضمان المساءلة والشفافية.
استنادًا إلى هذه التجارب، ولتحقيق حوكمة أكثر كفاءة في تعيين أعضاء مجالس إدارات الشركات المملوكة للصناديق السيادية وصناديق التقاعد في المملكة، من الأهمية بمكان إنشاء لجنة مستقلة للترشيحات والاختيار داخل كل من صندوق الاستثمارات العامة والمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية. وينبغي أن تضم هذه اللجنة خبراء مستقلين في القانون والحوكمة والإدارة المالية، وأن يتم تعيين أعضائها من قبل أعلى مستوى إداري في الجهتين لضمان استقلاليتها وحياديتها. كما ينبغي أن تستند عملية الاختيار إلى معايير واضحة تشمل الخبرة العملية، السجل المهني النظيف، المعرفة بالقطاع الذي تعمل فيه الشركة، إضافةً إلى الإلمام بالأنظمة ذات العلاقة، مثل نظام الشركات ولوائحه التنفيذية، ونظام سوق الأوراق المالية، ونظام المنافسة، والأنظمة الأخرى المؤثرة على عمل الشركة.
ولضمان تعزيز الشفافية والعدالة في التعيينات، ينبغي نشر هذه المعايير بشكل واضح على المواقع الإلكترونية للصناديق، إلى جانب إصدار تقرير سنوي يوضح أسماء الأعضاء المختارين وأسباب اختيارهم. كما ينبغي أن تتضمن العملية تقييمًا دوريًا لأداء أعضاء المجالس لضمان استمرار فاعليتهم، مع إعطاء الأولوية للكفاءات التي أثبتت نجاحها في تحقيق الأهداف الاستراتيجية للشركات التي يشرفون عليها.
ختاماً: إن تبني مثل هذه الخطوات لن يسهم فقط في تحسين نزاهة وشفافية عملية التعيين، بل سيضمن أيضًا اختيار الأكفأ لقيادة الشركات التابعة للصناديق السيادية وصناديق التقاعد، مما يعزز من استدامتها وقدرتها التنافسية. فالقرارات المتعلقة بتعيين أعضاء المجالس ليست مجرد عملية إدارية روتينية، بل تشكل عنصرًا أساسيًا في نجاح الشركات واستدامتها على المدى الطويل. ومن هنا، فإن التحرك نحو إصلاح جذري يضمن وضع معايير واضحة، واعتماد آليات إفصاح شفافة، وإشراك لجان مستقلة في اتخاذ قرارات التعيين يمثل خطوة جوهرية نحو تحقيق أفضل الممارسات الدولية، ويصب في تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030 في تعزيز الحوكمة، الشفافية، والمساءلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال