الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التطورات السريعة لتقنيات الذكاء الاصطناعي، تواجه حوكمة الشركات تحولات جذرية تستدعي إعادة تعريف الأدوار والمسؤوليات، خصوصاً فيما يتعلق بالإشراف على تطبيقات الذكاء الاصطناعي. ومن الكتب التي تطرقت لهذا الموضوع الحديث المثير كتاب “حوكمة المجلس الذكية لثورة الذكاء الاصطناعي” لتيم غلاوا، الذي صدر عام 2023 ، ويسلط الضوء على هذه المسألة، مقدماً دليلاً متكاملاً للمديرين حول كيفية تعزيز فهمهم للذكاء الاصطناعي ودمجه بشكل فعال في حوكمة الشركة والاستراتيجيات المؤسسية.
مع استمرار تأثير الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات، يتجلى دور مجلس الإدارة في ضمان الرقابة الأخلاقية والاستراتيجية على هذه التقنيات. يؤكد غلاوا في كتابه على ضرورة أن تتبنى مجالس الإدارة نهجاً استباقياً لفهم الذكاء الاصطناعي، بما يتماشى مع القيم المؤسسية ومعايير الحوكمة.
عبر دراسات حالة متنوعة لشركات من قائمة فورتشن 1000، يستعرض الكتاب تعقيدات حوكمة الذكاء الاصطناعي، مشدداً على أهمية التدريب المستمر لأعضاء المجالس لمواكبة التطورات التكنولوجية. كما يدعو إلى تبني ثقافة تعليمية داخل المؤسسات لضمان استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول وفعال.
يُعتبر جيم غلاوا ، المستشار البارز والقائد في مجال استراتيجيات رأس المال البشري، شخصية بارزة في مجاله. يحمل غلاوا خبرات كبيرة ، ولديه مناصب مهنية عالمية مؤثرة . يُعالج غلاوا مجموعة من القضايا التي تهم الشركات العالمية، وأهمها التحديات المرتبطة بالتنوع والتحيزات في الثقافة المؤسسية. يعمل غلاوا أيضاً في شركة ناشئة تعتمد الذكاء الاصطناعي في دعم جهود الشركات لتعزيز رأس المال البشري. تم الإشادة به في كل من “وول ستريت جورنال” و“فوربس” فيما يتعلق بدور حوكمة الشركات في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال خبرته، التي يسعى بها في توجيه المديرين حول قضايا رأس المال البشري والاستراتيجيات اللازمة لمواجهتها.
من الأمثلة التي ذكرها المؤلف في كتابه، نموذج شركة أسترازينيكا، العملاق العالمي في مجال الأدوية الحيوية، الذي يُعتبر مثالاً عملياً على كيفية إدارة الذكاء الاصطناعي في مؤسسة كبيرة ولامركزية. في عام 2020، أطلقت الشركة مجموعة من المبادئ الأخلاقية لإدارة البيانات والذكاء الاصطناعي، بهدف توجيه الاستخدام المسؤول لهذه التقنيات.
مع ذلك، واجهت أسترازينيكا تحديات كبيرة في تطبيق هذه المبادئ نظراً لطبيعتها اللامركزية. لمواجهة هذه العقبات، أنشأت الشركة لجنة داخلية مختصة لمعالجة قضايا الذكاء الاصطناعي، بالإضافة إلى خدمة استشارية مسؤولة عن تثقيف الموظفين ومراقبة مشاريع الذكاء الاصطناعي.
ومع تزايد اعتماد الشركات على الذكاء الاصطناعي، تبرز تحديات أخلاقية وتنظيمية تتطلب اهتماماً خاصاً من مجالس الإدارة. من بين هذه التحديات وجود تحيز في الأنظمة الذكية، مما يتطلب ضمان عدم عكسها على شكل تحيزات بشرية أو اجتماعية، فضلاً عن ضرورة حماية خصوصية البيانات الشخصية والحساسة من الاستغلال غير الأخلاقي. كما أن التزام الشركات بالامتثال للأنظمة والقوانين يعد أيضاً أمراً حيوياً، حيث يتوجب التأكد من أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي تتوافق مع القوانين واللوائح المحلية والدولية.
سلطت الجهود الحديثة الضوء على التعقيدات التي تواجهها المؤسسات في التوازن بين الإدارة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي وتطبيقه العملي. فبينما تحدد الإدارة العليا الإطار الأخلاقي والاستراتيجي، يتطلب التنفيذ اعتماد إجراءات عملية تضمن الالتزام بهذه المبادئ. الكتاب في هذا الصدد يبرز أهمية الدور المركزي لمجالس الإدارة في الإشراف على تطوير الذكاء الاصطناعي وضمان توافقه مع استراتيجيات الشركة وقيمها الأخلاقية. يناقش الكتاب وجوب تركيز المجالس على عدة جوانب رئيسية، مثل إدارة المخاطر، والتي تشمل تقييم المخاطر المحتملة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، بما في ذلك التحيز في البيانات وانتهاكات الخصوصية. ويؤكد أنه ومن الضروري أيضاً تعزيز الشفافية في العمليات والقرارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مع التأكيد على أهمية الدور البشري في مراقبة وتوجيه أنظمة الذكاء الاصطناعي.
يتطلب النجاح في عصر الذكاء الاصطناعي تبني نهج متوازن يجمع بين الابتكار والأخلاق، مما يضع مجالس الإدارة في موضع وجوب العمل على تعزيز ثقافة الذكاء الاصطناعي المسؤول داخل مؤسساتها ، مع تركيز مستمر على التعليم والتدريب والتكيف مع التغيرات التكنولوجية. في هذا السياق، تظهر الحاجة إلى تبني استراتيجيات استباقية لإدارة البيئة المحيطة بالذكاء الاصطناعي، وإدراك أهمية تعزيز ثقة الجمهور وأصحاب المصلحة في هذه البيئة الديناميكية سريعة التغير. ومن خلال قيادة المجلس الرؤيوية والالتزام الأخلاقي، يمكن للمجالس إدارة مؤسساتها نحو مستقبل يعزز النجاح التجاري مع المساهمة الإيجابية في المجتمع.
في نهاية المطاف يقدم كتاب “حوكمة المجلس الذكية لثورة الذكاء الاصطناعي” رؤية قيمة لمجالس الإدارة، مشدداً على أهمية التوازن بين الابتكار والأخلاق لتحسين الأداء المؤسسي في عصر التحول الرقمي، ، في عالم يتشكل بشكل متزايد بواسطة الذكاء الاصطناعي، تبرز فيه أهمية حوكمة قوية ومسؤولة تضمن استخدام هذه التقنيات بشكل أخلاقي وفعال.
ومع استمرار الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبل الأعمال، سيكون دور مجالس الإدارة أكثر أهمية وحساسية استراتيجيا وأخلاقيًا من أي وقت مضى، مما يتطلب نهجاً متكاملاً يضمن النمو المستدام والمسؤول للشركات .
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال