الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تُشير اقتصاديات المهارات إلى التركيز على المهارات كأصل اقتصادي يمكن تطويره واستثماره لتحقيق قيمة مضافة. ففي الاقتصاد التقليدي، كانت الموارد الطبيعية ورأس المال النقدي المحركات الرئيسية للإنتاج وتقديم الخدمات، أما اليوم، فقد أصبحت المهارات البشرية العامل الحاسم في تعزيز الإنتاجية والابتكار. ومع تطور التقنيات الحديثة، لم يعد النجاح مرهونًا فقط بالمؤهلات الأكاديمية، بل أصبح مرتبطًا بقدرة الأفراد على التكيف مع متطلبات السوق المتغيرة واكتساب المهارات التي تسهم في النمو الاقتصادي.
يُنظر إلى رأس المال البشري باعتباره الثروة الحقيقية لأي مجتمع، حيث تتجلى قيمته في المعرفة والمهارات والخبرات التي يمتلكها الأفراد، والتي تُستخدم لتعزيز الإنتاجية والنمو الاقتصادي. ومع تطور الذكاء الاصطناعي وحضور الأتمتة، برزت الحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة مثل تحليل البيانات، البرمجة، التفكير الإبداعي، وحل المشكلات المعقدة. هذه المهارات ليست مجرد أدوات للعمل، بل هي ركائز لتعزيز التنافسية وبناء مستقبل أكثر استدامة.
تتزايد الحاجة إلى مهارات متقدمة أكثر من أي وقت مضى، خاصة مع التوجهات الطموحة لرؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على النفط. إن الاستثمار في رأس المال البشري لم يعد مجرد خيار، بل أصبح ضرورة استراتيجية لضمان استدامة التنمية الاقتصادية. وقد تمثل ذلك في إطلاق “برنامج تنمية القدرات البشرية” كإحدى المبادرات الاستراتيجية لرؤية 2030. يهدف هذا البرنامج إلى تزويد الشباب السعودي بمهارات القرن الحادي والعشرين. ومن مستهدفاته الطموحة لعام 2025 أن يلتحق 40% من أطفال السعودية في رياض الأطفال، وأن تصل 6 جامعات سعودية ضمن أفضل 200 جامعة على مستوى العالم، بالإضافة إلى تحسين ترتيب السعودية إلى المركز 45 في مؤشر رأس المال البشري للبنك الدولي وزيادة بنسبة 40% في توطين الوظائف التي تتطلب مهارات عالية. هذه الأرقام تعكس التزام المملكة بتحقيق نقلة نوعية في جودة رأس المال البشري.
لم تكن الجهود المبذولة في هذا المجال مقتصرة على تطوير الأفراد فحسب، بل شملت أيضًا إصلاحات هيكلية تهدف إلى التمكين في سوق العمل مثل إطلاق برنامج “نطاقات” لزيادة نسبة التوطين في القطاع الخاص، بهدف تعزيز مشاركة المواطنين في سوق العمل ورفع كفاءتهم.
والمساهمة في تمكين المرأة في سوق العمل والتي زادت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة، حيث ارتفعت من 16.2% في عام 2017 إلى 35.5% بنهاية عام 2023.
إدارة رأس المال البشري تلعب دورًا حيويًا في تعزيز اقتصاديات المهارات، حيث تسهم في تطوير الكفاءات عبر التدريب المستمر، وتوجيه المواهب نحو القطاعات الأكثر احتياجًا، وتعزيز بيئة الابتكار من خلال تحفيز الموظفين وخلق بيئات عمل مرنة ومتطورة. كما أن الاستثمار في التكنولوجيا أصبح أحد العوامل الرئيسية التي تعزز كفاءة سوق العمل، حيث تساهم التقنيات الحديثة في تحسين أداء الموظفين وتمكينهم من العمل بفعالية أعلى.
مع دخول الذكاء الاصطناعي إلى مختلف القطاعات، أصبح من الواضح أن المهام الروتينية يمكن إنجازها بكفاءة أكبر عبر التقنيات الذكية. إلا أن ما يميز الإنسان عن الآلة هو قدرته على الإبداع، التحليل العميق، واتخاذ القرارات الاستراتيجية. ومن هنا تأتي أهمية بناء منظومة تعليمية مرنة قادرة على تلبية احتياجات السوق المستقبلية، وهو ما دفع الجامعات السعودية، مثل الجامعة السعودية الإلكترونية وجامعة الملك سعود، إلى إطلاق برامج متخصصة في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، لمواكبة التطورات المتسارعة في سوق العمل.
تشير الدراسات الحديثة إلى أن المستقبل يحمل فرصًا جديدة غير مسبوقة، إذ يُقدّر تقرير صادر عن “Institute for the Future” بالتعاون مع “Dell Technologies” عام 2017، أن 85% من الوظائف التي ستكون متاحة بحلول عام 2030 لم يتم اختراعها بعد، بسبب ميل التوقعات إلى أن التقدم التكنولوجي السريع سيؤدي إلى ظهور وظائف جديدة تتطلب مهارات ومعرفة حديثة. مما يعكس الحاجة إلى تبني نموذج تعليمي مرن يركز على تطوير المهارات بدلاً من الاقتصار على تلقين المعلومات، والتي تستوجب استراتيجيات تعليمية تعتمد على التدريب المستمر واكتساب المعرفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال