الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
نشر بنك دويتشـــه الألماني في إحدى دراساتــــه البحثية الفريدة نظرة عامـــــــــة عن مستويات التضخم على مستوى دول العالم المختلفـــــة، ولكن على مدى طويل يغطي ما يقارب ألف عام من النتائج والقراءات. كان التضخم وعلى مدى التاريخ الممتد لعصور العنصر الأهم في تشكيل شكل اقتصادات العالم والمستمر الوحيد في التغيير، أستمــــــــر في مستويات متواضعة لأكثر من ثمانية قرون، ولكن تغير كل شي في مطلع القرن العشرين، بدأ اقتصاد العالم بتسجيل مستويات تضخمية هائلــــــــة، وبزيادة لم تكن كما هي في سابق عهدهــــــــــا، تغيرت القواعد النقدية ومدارس الاقتصاد ومدى الاعتماد على المعادن الثمينـــة وأزداد عدد السكان، تغيــــــر العالم وبشكل فريد ليتغير معه التضخم تباعًـــــــــا، الان وبعد قرون من الزمن لازال هو المعضــــــــلة العنيدة التي يسعى الجميع على حل عُقدهــــا المترابطــة بكل العوامل الاقتصادية والمالية والتجارية.
بدأ القرن العشرين مختلفًا بشكل جذري على صعيد التضخم مقارنة بالقرون الخوالي من العصر الاقتصادي الحديث وحتى ما قبل الحديث، جاء القرن الجديد بتنازل الدول عن عضوية المعادن الثمينة، الكساد العظيم الذي نبع من بين ثنايا الولايات المتحدة، الحرب العالمية الأولى والنازية والحرب العالمية الثانية، إتفاق بريتون وودز وخطة مارشال، النمو السكاني الهائــــــل بعد الحرب العالميـــــــة الثانية، انهيار نظام يرتون وودز الوليد الجديد وفك ارتباط الذهب مع الدولار الأمريكي، حروب الشرق الأوسط الأولى والثانية، انهيار النظام المالي والمصرفي العالمي وأخيـــــرًا الجائحة التي أنهكت الاقتصاد العالمي لسنوات أربع متتالية، كان التضخم يتصاعد بشكل متسارع في القرن الجديد، الى أن قال كثيـــــر من علماء النقد بأن هذه الفترة الزمنيــــــة هي فترة شاذة لا يمكن أن تحدث بهذا التسلسل والعنفوان على مدى التاريخ القادم القريب.
التضخم هو زيادة في أسعار السلع والمنتجات خلال فترة زمنية معينة، وفي الغالب يكون مستوياته الطبيعية بين 2-3%، لكــــــن في الواقع ومن الملاحظ أن الأسعار تزداد بنسبــــــة أعلى من النسبة التي تعرضها كل المؤشرات التي تعمل على قياس ذلك، حيـــــــر ذلك العديد من الاقتصاديين، عزى الكثير منهم على أن السبب الرئيسي هو المقاييس التي تُستخدم في ذلك، فسلة المستهلك التي تتكون من عدد معين من السلع والمنتجات والتي يتم قياس تغير السعر لها من وقت الى أخـــــــــر لحساب معدل نمو الأسعار وبالتالي معدل النمـــــــــــو هي سلة لا يتم تحديثهــــــــــــــا بشكل دوري بالمنتجات الحديثة وتحتوي فقط على سلع معينة وتتجنب احتوائها بعض السلع الجديدة وتتجاهل أيضًا بعض التطورات في السلع والخدمات ولا تأخذها في عين الاعتبار. وأيضًا يعاني المؤشر الحالي لقياس التضخم الكثير من المشاكل كما هو مذكور في مقال سابق ” الناتج المحلي الإجمالي.. المؤشر المَبْتور “.
جاءت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيـــــــــة في عام 2003م بمصطلح جديد على الاقتصاد الحديث وهو ” التضخـــــــــم الخفي “، وهي طريقـــــة لإخفاء ارتفاع سعر منتج ما وذلك بتقليل كميته – على سبيل المثال – علبة حليب معينة لها كمية 100 مل وبسعـــــــر 10 ريال للعلبة الواحدة، فأن الشركات التي تُريد الإبقاء على حصتها السوقية مقارنة مع المنافسين الآخرين في القطاع تعمل على تخفيض الكمية الى 90 مل – على سبيل المثال – والبقاء على نفس السعر السابق، الشركات التي تعمل على البقاء على نفس الكميــــــــــــة، ولكن تعوض ذلك برفع سعر المنتج سوف تفقد حصتها السوقية مقارنة مع الشركات التي لم تغير سعر المنتج وقللت الكميـــــــــــــة. فحسب الدراسات فأن العملاء يبدون استياء أعلى من ارتفاع الأسعار مقارنة بعدم التركيز حتى على تقليل الكميات، ولذلك تُخفي الشركات والمنتجين هذا التضخم ليتوارى عن الأنظار ويبقى في الظل.
بالتضخم الخفي تنحدر جودة السلع والمنتجات، وبذلك يزداد معه معدل الشراء والدوران، فالدول الغربية والتي لم تستطيع اللحاق بمنتجي دول أسيا والذي يملكون تكاليف منخفضة للأيدي العاملة مقارنة بما هو عليه في الدول الأوربية وبذلك تنتج هذه الدول ” تضخم خفي ” أعلى بسبب عدم كفاءة الأيدي العاملة وبسبب السعي الى تحقيق هوامش أرباح عالية، هذا قد يؤثر بشكل غير مباشر على أسعار التضخم القادمـــــــة وذلك بتوجه بعض المستهلكين وبخلفية تجاربهم السيئة في الماضي مع هذه المنتجات رديئة الجودة وقليلة الكمية الى السلع والخدمات ذات الجودة العالية والتي بالطبع لها تكاليف عالية تفوق ما هو عليه في السلع ذات الجود المنخفضـــــــة.
مر تاريخ التضخم بالكثــير من التعاريف التي تحاول أن تشرح ما هذا العنفوان المتمرد الذي يتغير بتغير حالات الاقتصاد المستمرة، جاء في شكل التضخم الركودي في فترة ما وبعدها الانكماشي وظهر في الأفق التضخم الخفي حديث السطور، مرت كل رؤية للتضخم بالكثيــــــــر من النقد والثناء والتصحيح والمغالطة، ورغم ذلك العمر المديد لا زال هو موضع النقاش الأول وهدف البنوك المركزيـــــــــــــة الدائم.
اقتباس اقتصادي: “لا أمانع في العودة إلى التوقيت الصيفي. فمع التضخم، ستكون الساعة هي الشيء الوحيد الذي أدخره طوال العام ” – فيكتور بورج
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال