الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كَانت ولا زَالَت المَمْلَكَة مُتَّبِعَةً نَهْجًا وطَرِيقًا واضِحًا جَلِيًّا في سَبِيلِ مُكَافَحَتِهَا للفَسَاد؛ مَفَادُهُ: أنَّهُ لا رَغَدًا للعِبَاد ولا نَهْضَةً ونُمُوًّا للبِلادِ إلَّا بِمُحَارَبَةِ الفَسَاد، وعليه فإنَّ الدَّوْلَة مُمثَّلَةً في الجِهَاتِ المَعْنِيَّة كَانت وستبقى بَاذِلَةً كُلَّ غالٍ ونَفِيس -مُوَاكِبَةً أحدَثُ سُبُلِ مُكَافَحَةِ الفَسَادِ وأنَجَعِهَا- للقَضَاءِ على هذهِ الآفة أو على الأقل للحَدِّ مِن وقوعِهَا؛ بِمَا يَلِيقُ مع عَظَمَة هذهِ الدَّوْلَة.
ومِمَّا يَدُلُّ على مُوَاكَبَة المَمْلَكَة لأحدَثِ السَُبُلِ في سَبِيلِ قَصْدِهَا للقَضَاءِ على هذهِ الآفة؛ هِيَ تِلْكَ القواعد (قواعد التَّسْوِيَات الماليَّة مع مَن ارتكبوا جرائم فساد) المُتوَّجَة بالأمر المَلَكِي الكَرِيم في مَطْلَعِ شَهْرِ شعبان الحالي سنة ١٤٤٦هـ والتي تَرْمِي في حَقِيقَتِهَا إلى تَحْقِيق عدالةٍ نَاجِزَة وتَسْوِيَةٍ مُحِقَّة مع مَن ارتكبوا جرائم فَسَاد، إذ يَسَّرَت وأتاحت هذهِ القواعد لكُلِّ مَن ارتكبَ جريمة فَسَادٍ قَبْلَ تاريخ ١٥/٢/١٤٣٩ -ولم تُكْشَف بَعد- أن يَتَقدَّمَ بِطَلَبِ تَسْوِيَةٍ لهيئة الرقابة ومكافحة الفساد؛ سواءً أكانَ شخصًا طبيعيًّا ام اعتباريًّا على أن يَكُونَ المُقَابِل جرَّاء هذهِ التَّسْوِيَة؛ هُوَ عدم تَحْرِيك الدعوى الجزائية ضِدَّه.
هذا ومِن الجَدِير بالذِّكْر أنَّ طَلَبُ التَّسْوِيَة ليسَ طَلَبًا مُجرَّدًا مِن إجراءاتٍ تُنَظِّمه والتزاماتٍ تُفْرَض على طَالِبُ التَّسْوِيَة؛ إذ أنَّ طَلَبُ التَّسْوِيَة يَفْرُض على صَاحِبِهِ عَدَدٌ من الالتزامات وهِيَ:
أولًا: رَدُّ المال محل جريمة الفَسَاد أو قِيمَتُهُ، بالإضافة إلى أيّ عائدات ترتَّبَت عليه متى وُجِدَت.
ثانيًا: أن يَلْتَزِمَ صَاحِب الطَّلَب بِدَفْعِ نِسْبَة ٥٪ مِن قيمة المال؛ في مُدَّةٍ مُحدَّدَة تُحْتَسَب مِن وقت ارتكاب الجريمة إلى وقت اكتمال السَّداد فِعْلِيًّا، ويُعْفَى مِن هذهِ النِّسْبَة مَن تقدَّمَ بطَلَبِ التَّسْوِيَة في السَّنَة الأولى من صُدُور هذهِ القواعد وأوفى بِمَا عليهِ من التزامات وَرَدَت في الإتفاق.
ثالثًُا: أن يَلْتَزِمَ صَاحِب الطَّلَب بتقديم بيانًا وإيضاحًا دقيقًا عمَّا يَمْلِك مِن معلومات تخص الجريمة محل التَّسْوِيَة أو أيَّ جريمةٍ أُخرى مرتبطة بها أو غيرها من جرائم الفَسَاد، ومتى ثَبَتَ أنَّ صَاحِب الطَّلَب قد أخَلَّ بهذا الالتزام؛ وَجَبَ على هيئة الفَسَاد حينئذ تَحْرِيك الدعوى الجزائية ضِدَّه ولو نُفِّذَ الاتفاق؛ ولا تُسْتَرَد أيٍّ مِن المَبَالغ التي دُفِعَت، عِلْمًا أنَّهُ يجوز استثناءً وِفْقَ ما يراه رئيس الهيئة؛ عَدَم تَحْرِيِك الدعوى بِحَقّ مَن لم يَلْتَزِم بهذا الشَّرط وحينها يستمر الاتفاق على ما هُوَ عليه.
رابعًا: أن يُنَفِّذ صَاحِب الطَّلَب ما عليهِ من التزامات في المُدَّة المُحدَّدَة مِن رئيس الهيئة؛ والتي يَجِب ألَّا تتجاوز ٣ سنوات، وجَزَاءُ عدم التَّنْفِيذُ في المُدَّة المُحدَّدَة يَتَمَثَّل في تَحْرِيك الدعوى العامَّة ضِدّ صاحب الطَّلَب.
هذا وفضلًا عن أُولئك الذين ارتكبوا جرائم فَسَاد قبل تاريخ ١٥/٢/١٤٣٩ والذين جاءَ الحديث بخصوصهم فيما تقدَّم نَجِدُ مِن زاويةٍ أُخرى؛ أنَّ القواعد قد خوَّلَت الهيئة سلطةً جوازيَّة بأن تُجْرِي التَّسْوِيَة مع الأشخاص الذين صَدَرَت بحقِّهِم أحكامًا قضائيِّة أو كانوا في مرحلة المحاكمة أو في مرحلة التحقيق؛ بشأن جرائم الفَسَاد المُرْتَكَبَة مِنْهُم قَبْل تاريخ ١/٨/١٤٤٦ باعتبار أنَّهُ تاريخ صدور هذهِ القواعد؛ وذَلِكَ بالشُّرُوط والضَّوَابِط الآتية:
موافقة الملك قَبْل البدء بإجراءات التَّسْوِيَة مع أصحاب الجرائم المذكورة.
ألَّا يُعْفَى أصحاب هذهِ الجرائم مِن دَفْعِ النِّسبَة المُقرَّرة وهِيَ ٥٪ من قيمة المال تُدْفَع سنويًّا؛ حَسَب المُدَّة السَّابِق ذِكْرُهَا.
أمَّا عن مُقابِل التَّسْوِيَة مع هؤلاء؛ فيَتَمَثَّل بوقف السير في الدعوى متى تمَّت التَّسْوِيَة مع مَن كانَ في مرحلة المحاكمة وذلكَ كُلَّه متى نفَّذَ ما عليه من التزامات واردةٌ في إتفاق التَّسْوِيَة، أمَّا إذا كانَ قد صَدَرَ حكمًا قضائيًّا بِحَقِّ مَن تمَّت التَّسْوِيَة معه؛ فمُقَابِل ذلك يكون الإعفاء من عقوبة السِّجْن أو الإعفاء مِن المُدَّة الباقية مِنْهَا -حَسَب الحال- وذلك كُلَّه متى نفَّذَ ما على عاتِقَهِ من التزامات؛ وارِدٌ ذكرها في الاتفاق.
كما نَجِدُ مِن زاويةٍ أُخرى؛ أنَّ القواعد قد خَصَّت رئيس الهيئة وحده بأن يُقرِّر إجراء التَّسْوِيَة مع أصحاب جرائم الفَسَاد المُرْتَكَبَة بعد صُدُور هذهِ القواعد (أيّ بعد تاريخ ١/٨/١٤٤٦) الذين بادروا بتقديم طَلَب التَّسْوِيَة -قَبْل كَشْفِ الجريمة- وذلك بالشُّرُوط والضَّوابِط الآتية:
موافقة الملك قَبْل البدء بإجراءات التَّسْوِيَة مع أصحاب الجرائم المذكورة.
ألَّا يُعْفَى أصحاب هذهِ الجرائم مِن دَفْعِ النِّسبَة المُقرَّرة وهِيَ ٥٪ من قيمة المال تُدْفَع سنويًّا؛ حَسَب المُدَّة السَّابِق ذِكْرُهَا.
ويَكُون المُقَابِل في هذهِ الحالة مُطَالَبَة الهيئة للمحكمة المختصة؛ بإيقاع الحَدّ الأدنى من العقوبة المُقرَّرَة نظامًا أو بإيقاف تَنْفِيذُهَا.
ومِمَّا يَجْدُرُ الإشارة إليه ههنا ويَحْسُنُ الخِتَامُ بِه؛ أنَّ هذهِ قواعد قد أحاطت بكافة جرائم الفَسَاد السَّابِق واللَّاحِق مِنْهَا؛ بإجراءاتٍ وآثارٍ تَخْتَلِف باختلاف حالة الجريمة ووقت ارتكابها وما إذا كَان كُشِفَت ام لا، كما أنَّهَا أُسِّسَت على مقَاصِدَ تَرْمِي إلى السُّرْعَةِ والإنجاز في رَدِّ الأموال العامَّة؛ وفي الوقت ذَاتِه دُونَ إخلالٍ بِحَقِّ الدَّوْلَةِ في العِقَاب إلَّا في حالاتٍ ضَيِّقَة وحدودٍ مثلها؛ فَهِيَ بهذهِ المَثَابَة تُشكِّلُ عدالةً رضائيَّة وحلًّا وَسَطًا فضلًا عن مَنْحِهَا فُرْصَةٌ ثَمِينَة لكُلِّ مَن ارتكبَ جريمة فَسَاد؛ بأن يُصَحِّحَ حَالُهُ ويُطَهِّرَ مَالُهُ بطريقٍ عَادِلٍ نِظَامِي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال