الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تعد الثقافة الاستهلاكية أحد العوامل المهمة التي تؤثر على الاقتصاد والمجتمع حيث تعكس سلوكيات الأفراد تجاه الإنفاق والادخار والاستثمار في السعودية كما هو الحال في العديد من الدول ذات الاقتصاد القائم على الرأسمالية يلعب الاستهلاك دوراً رئيسياً في النشاط الاقتصادي إلا أن الإفراط في الاستهلاك قد يؤدي إلى تراجع معدلات الادخار والاستثمار على المستوى الفردي والمجتمعي.
تعرف الثقافة الاستهلاكية بأنها مجموعة من السلوكيات والقيم التي تعزز النزعة نحو الاستهلاك المكثف للسلع والخدمات حتى لو لم تكن ضرورية وتتجلى هذه الثقافة في المجتمعات الحديثة التي يعتمد اقتصادها على الإنتاج والتسويق المستمر حيث تشجع الشركات المستهلكين على الشراء الدائم من خلال الإعلانات الجذابة والعروض الترويجية المتجددة. في المجتمع السعودي يلاحظ أن الاستهلاك لا يقتصر على تلبية الاحتياجات الأساسية بل أصبح يعكس الهوية والمكانة الاجتماعية حيث يرتبط شراء المنتجات الفاخرة أو العلامات التجارية المشهورة بالمكانة الاقتصادية والاجتماعية للفرد أو العائلة. كما أن التطورات التكنولوجية السريعة مثل تحديثات الهواتف الذكية السنوية من شركات كبرى مثل أبل تسهم في تعزيز هذه النزعة حيث يسعى المستهلكون لمواكبة كل ما هو جديد.
الإنفاق المتزايد بدلاً من الادخار يمثل تحدياً للأفراد والعائلات في السعودية فمع ارتفاع مستويات الدخل في المملكة لا سيما بعد الإصلاحات الاقتصادية التي شهدتها رؤية 2030 زادت القدرة الشرائية لدى الأفراد ولكن في المقابل انخفضت معدلات الادخار نتيجة الاتجاه نحو الاستهلاك الفوري. من أبرز التأثيرات السلبية للثقافة الاستهلاكية على الادخار ضعف القدرة على التوفير حيث يُفضِّل المستهلك السعودي الإنفاق على المنتجات الاستهلاكية والكمالية بدلاً من تخصيص جزء من الدخل للإدخار طويل الأمد وزيادة الديون الشخصية بسبب الرغبة في مواكبة نمط الحياة الفاخر. حيث يلجأ البعض إلى استخدام الائتمان والتمويل الاستهلاكي مما يؤدي إلى تراكم الديون وانخفاض القدرة المالية المستقبلية. بالإضافة إلى الضغط النفسي والاجتماعي حيث يتعرض العديد من الأفراد لضغوط اجتماعية تدفعهم إلى الإنفاق المفرط للحفاظ على صورة معينة داخل المجتمع مما يؤثر بشكل سلبي على رفاهيتهم المالية.
عند توجيه جزء كبير من الدخل نحو الاستهلاك تقل الموارد المالية المتاحة للاستثمار مما يؤثر على قدرة الأفراد والعائلات على تحقيق الاستقلال المالي وتنمية الثروات. في السعودية يمثل الاستثمار في الأسهم والعقارات والصكوك والأعمال التجارية فرصاً مهمة للنمو المالي إلا أن الثقافة الاستهلاكية المفرطة قد تُضعف اهتمام الأفراد بهذه الفرص. من النتائج السلبية لقلة الاستثمار بسبب الثقافة الاستهلاكية انخفاض معدل الاستثمارات الشخصية حيث بدلاً من توجيه الدخل إلى استثمارات منتجة يذهب الجزء الأكبر إلى الإنفاق الاستهلاكي مما يقلل من فرص تحقيق الاستقرار المالي والاعتماد على القروض. حيث يلجأ بعض الأفراد إلى القروض لتغطية احتياجات استهلاكية بدلاً من استثمارها في مشاريع مدرة للدخل وقلة الوعي المالي حيث يؤدي التركيز على الاستهلاك بدلاً من الادخار والاستثمار إلى ضعف الثقافة المالية لدى الأفراد مما يقلل من فرص تحقيق الاستقلال المالي على المدى الطويل.
لمعالجة هذه التحديات يجب العمل على تعزيز الوعي المالي بين المستهلكين السعوديين وتقديم حوافز تشجع على الادخار والاستثمار بدلاً من الاستهلاك المفرط. ومن أبرز الحلول الممكنة تعزيز الوعي المالي من خلال إطلاق حملات توعوية عبر وسائل الإعلام والمنصات الرقمية لتثقيف الأفراد حول أهمية الادخار والاستثمار وتشجيع الادخار. وهذا يتم من خلال الحوافز عبر توفير برامج حكومية وبنكية تدعم الادخار مثل الحسابات الادخارية ذات العوائد المحفزة وتعزيز الاستثمار الشخصي من خلال تقديم برامج تعليمية حول الاستثمار في الأسهم والعقارات والمشاريع الصغيرة لتشجيع الأفراد على تنمية أموالهم بدلاً من إنفاقها على الكماليات. وأيضا تحفيز السياسات الحكومية عبر تقديم حوافز ضريبية للاستثمارات الشخصية والادخار مما يسهم في تعزيز السلوك المالي المسؤول وضبط الإعلانات والتسويق عبر وضع ضوابط للإعلانات الاستهلاكية التي تستهدف الإنفاق المفرط وتشجيع الشركات على تقديم منتجات تحفز الادخار والاستثمار.
أخيراً تمثل الثقافة الاستهلاكية تحدي رئيسي حيث يؤثر على معدلات الادخار والاستثمار في المجتمع السعودي ومع استمرار تطور الاقتصاد السعودي وفق رؤية 2030 يصبح من الضروري العمل على تعزيز الوعي المالي وتوجيه الأفراد نحو سياسات مالية أكثر استدامة فالتوازن بين الاستهلاك والادخار والاستثمار هو المفتاح لتحقيق رفاه اقتصادي مستدام سواء على مستوى الأفراد أو الاقتصاد الوطني
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال