الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
بعد أن تعدت كوريا الجنوبية مأساة حرب الكوريتين المدمرة، بدأت تخطو بثبات نحو الانتعاش الاقتصادي، وكانت المملكة العربية السعودية تتحضر لدخول عصر الطفرة النفطية التي فتحت أبواب مشاريع عملاقة وتحديث شامل، ومن هنا التقت مصالح الدولتين لتصبح المملكة وجهة محورية للشركات الهندسية والانشائية الكورية التي ساهمت في بناء البنية التحتية للمملكة، وفي الوقت ذاته استفاد المجتمع الكوري اقتصاديا من هذه الشراكة المثمرة.
خلال السبعينيات والثمانينيات الميلادية، أصبحت السعودية بمثابة حلم اقتصادي للكوريين، حيث ارتحل آلاف العمال والمهندسين للعمل في مشاريع ضخمة مثل بناء المدن الحديثة والصناعية والمصانع الكبرى وتطوير شبكات الطرق والاتصالات، ولم يكن ذلك مجرد فرصة لكسب الرزق، بل شريان حياة لعائلات كورية كانت تعاني من تداعيات البطالة والركود، فالتحويلات المالية التي أرسلها هؤلاء العمال إلى بلدهم أسهمت بشكل مباشر في تحسين مستويات معيشة أسرهم وتمويل تعليم أبنائهم، وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني الكوري.
قدمت الشركات الكورية مثل “سامسونج” و”هيونداي” و “دايوو” قدراتها التقنية ومهاراتها الهندسية في تنفيذ مشاريع بنية تحتية عملاقة، وتجربة بناء المدن الصناعية السعودية مثل الجبيل وينبع شكّلت فرصة عملية نادرة للشركات الكورية لتتمكن من تطوير تقنياتها وإدارتها للمشاريع الضخمة، مما جعلها نماذج عالمية للشركات القادرة على تنفيذ مشاريع عالية التعقيد والجودة على مستوى العالم.
في المقابل، استفادت المملكة من إدخال معايير جديدة للجودة والكفاءة في تنفيذ المشاريع من خلال الشركات الكورية التي أدخلت تقنيات متقدمة وإدارة مشاريع دقيقة رفعت سقف التوقعات في المملكة، ووضع نماذج يحتذى بها في سرعة الإنجاز مع الالتزام بمعايير الجودة العالمية، مما ساعد في وضع معايير جديدة لكفاءة التشغيل والصيانة في المملكة.
أيضا، في عملية تطوير مهارات الكوادر الوطنية من خلال التدريب ونقل معرفة الشركات الكورية، مما ساعد في خلق جيل جديد من المهندسين السعوديين القادرين على إدارة مشاريع مشابهة وفق نفس المقاييس العالمية، وهذا بدوره عزز قدرة المملكة على المنافسة في السوق العالمية وجعلها مع الوقت وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية.
كما أن هذه الشراكة ساهمت في خلق بيئة تنافسية داخل السعودية، فالشركات المحلية اضطرت لتحسين أدائها وتبني ممارسات إدارة مشاريع أكثر تقدمًا لتواكب معايير الجودة التي أدخلتها الشركات الكورية، وهذا الحراك التنافسي انعكس إيجابا على مستوى المشاريع الوطنية، حيث أصبحت المملكة قادرة على تنفيذ مشاريع عملاقة بكفاءة تضاهي الدول المتقدمة.
اليوم، وضمن خطى المملكة المستقبلية (رؤية 2030 وما بعدها 2040)، تستمر هذه الشراكة الاستراتيجية في التطور، واستمرار التعاون الوثيق سوف يوفر للمملكة فرصة الاستفادة من التقنيات الحديثة في مجالات عديدة من أهمها المدن الذكية والطاقة المتجددة والذكاء الاصطناعي، بينما يمكن للشركات الكورية أن تجد في السوق السعودي بيئة غنية بالفرص والمشاريع الضخمة.
ما بدأ كعلاقة وظيفية بين العمالة الكورية والمشاريع السعودية، تطور إلى شراكة استراتيجية قادرة على مواكبة التحولات العالمية، ومع استذكار الذكريات المزدحمة بالوفاء والاحترام المتبادل، يمكن لهذه الشراكة أن تشكل نموذجًا يحتذى به للتعاون المثمر، فالمشتركات بين البلدين اليوم تتجاوز المصالح الاقتصادية لتلامس القيم الثقافية، والعمل الجاد والطموح لتحقيق النمو والازدهار المشترك، وهذا يشكل أساسا لشراكات مستقبلية أكثر إبداعًا وابتكارا، تسهم في تعزيز الاقتصادين والمجتمعين السعودي والكوري، وتضعهما في طليعة الدول المؤثرة عالميًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال