الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كانت تعاريف السعادة والرفـاه في الاقتصــــاد الحديث غمام لا يمكن الإمساك به وكثير المرور والتغير، ليس هناك تعريف ثابت عن ما هي الرفاهيــة في الاقتصاد، فقط محاولات لم ترى النور مبنيـــــــة على علوم الفلسفة والعلوم الأخــــــــرى، ولكن في نهاية القرن السابع عشر الميلادي – 1881 م – جاء الاقتصادي والفيلسوف الإيرلندي إيدجورث – عُرف بأنه عالم اقتصادي فذ، ولكنه يُطيل في الحديث ويستخدم مصطلحات غامضة حتى فقد تلاميذه التركيز والوضوح – بنظرية المنفعة أو الرفاهية الأولى، وتقول أنه بالإمكان قياس مستوى الرفاه والسعادة بشكل مباشر عن طريق التقاط الظواهر الفسيولوجية باستخدام ” مقياس المتعة – hedonometer ” والذي لا زال يعمل حتى اليوم، ولكن تلقى النظريــة الكثير من التأييد. لتظهر بعد ذلك نظريتان وهما اقتصاد السعادة في جانب ونظرية التوقعات في جانب أخــــــــر والتي تحاولان فهم وقياس الرفاه بشكل مباشر أيضًا. جاءت النظريات لفهم الأنسان الاقتصادي وعقلانيته وتعاطيه مع المشاعر والظروف ومقدرته على اتخاذ القرار والتحليل، لتكون وبعد ذلك بإيام مهد للاقتصاد السلوكي الجديد.
صاغ كانيمان – حاصل على نوبل في الاقتصاد 2002م – وتفيرسكي نظرية التوقعات في عام 1979م لأول مرة، وتم أعادة صياغتها من جديد 1992م، وهي نظرية نفسيــة اقتصادية تدرس كيف للفرد اتخاذ القرار في ظل المخاطر، وتفترض النظرية التي تحولت فيما بعد الى اختبارات تجريبية وفعالة قابلة للتطبيق، الى أن الأفراد وفي ظل المخاطر يقيمون النتائج على أساس نقطة مرجعية سابقة، وليس على أساس صافي الأصول أو الثروة المطلقــــــة لديهم، وتحديد هذه النقطة المرجعية هو قرار حاسم ويبنى على القرار ككل. وأيضًا تقول النظرية أن الأفراد يعطون وزن أكبر في رد الفعل للخسائـــر مقارنة مع رد فعل أقل عند الحصول على مكاسب مماثلة – الحزن يكون كبيرًا عند خسارة دولار واحد، ولكن الفرح يكون بنسبة أقل لو كسب الفرد دولار واحد. وتقول أيضًا أنه عندما يُعرض على الفرد المستثمر خياران متساويان فانه سيختار الخيار الأكثر احتمالية في المكاسب.
يقول كانيمان ورفيق النظرية الأخر تفيرسكي أن عملية اتخاذ القرار لدى الفرد تمر في مرحلتين، ليعمل بذلك على تقليل نطاق المعلومات لديه، وهي مرحلة التحرير ومن ثم مرحلة التقييم. في مرحلة التحرير يختار الأفراد قاعدة مرجعية معينة – قاعدة تُعتبر متكافئة بالنسبة لهم – ثم يعتبرون النتائج الأقل من هذه النقطة المرجعية خسائر بالنسبة لهم والنتائج الأعلى مكاسب، ويقوم الفرد بتحويل النتائج من حالة الثروة المطلقة الى حالة من الخسائر والمكاسب – على سبيل المثال – أذا أتيح لفرد ما الاختيار بين شراء سيارة أو المشي على الأقدام، فسوف يعمل على تحويل هذان الخيارين الى مكاسب وخسائر، فشراء سيارة يعزز حياة الرفاه لديه، ولكن المشي في الجانب الأخر يعزز مستوى الصحة له، وبعد مرحلة التحرير هذه يذهب بعدها الى مرحلة التقييم والاختيار.
تُـــــساعد نظرية التوقعات أفضل الطرق الممكنة لتقديم الخيارات على الأخرين، وتشرح كيف يعمل الأفراد على اتخاذ القرارات المالية المختلفة، فالأفراد يظهرون تصرفات تُشير على نفورهم من المخاطرة والخسائــــر عند اتخاذهم قرار استثماري، وتؤثر النظرية على الأفراد بتفضيلهم الأوراق المالية التي لها عائد مضمون على الرغم من عوائدها المتوقعة المنخفضة مقارنة مع التي لها مخاطر أعلى. وباحتفاظهم بالأوراق المالية الخاسرة لأطول مدة ممكنة وبيع الأوراق المالية الرابحة مباشرة، وخلال فترة تقلبات السوق بتجنب الأفراد المستثمرين في الدخول في هذه الأسواق والابتعاد عنها واللجوء الى الأوراق المالية التي تعمل على حفظ ثرواتهم كما هو الحال في أزمة الجائحة الأخيرة.
وأخيرًا تعمل نظرية التوقعات على التأثير على قرارات المقترضين، حيث يعمل المقترضين على سداد القروض ذات الفائدة المرتفعة أو الديون الصغيرة، وذلك يعطيهم شعور أفضل بتجنب الخسارة المتصورة في ظل الفوائد المرتفعة.
أهتم الجميــــــــع بنظرية التوقعات وحقق كانيمان عنها جائزة نوبل – تيفرسكي توفي قبل أن تعلن بأن نظريتهما قد فازت بالجائزة – وذلك بسبب دراستهم الواقعية المرتبطة بالأفراد، فالنظرية تشرح كيف يتصرف الأفراد في الواقع، وليس كيف لهم أن يتصرفوا في الواقع. النظرية تُعتبر بوابة اقتصاد السلوك الذي جاء بالمشاركــــــة مع نظريات روبورت شيلر في المجال ذاته.
كالعادة في الاقتصاد، جاء النقد للنظرية من خلال أنها تشرح بالفعل أن الأفراد سيتجنبون المخاطر والخسائر، ولكن لم تشرح لماذا يفعلون ذلك، لماذا الخسارة لدى الأفراد لها وزن أكبر من الربح!
أطلقت مجلات مهتمة في جائز نوبل لقب ” وحيد القرن ” على كانيمان بعد نشره نظرية التوقعات التي نسف بها المفهوم النظري والمتعارف عليه، بأن القرارات الاقتصادية الخاصة بالأفراد عقلانيــــــةـ، حيث أظهرت أبحاثه عكس ذلك تمامـا.
في نهاية المطاف وقبل وفاته قال كانيمان عندما سأله أحد الصحفيين عن كيفية اتخاذ القرارات المهمة وبشكل عام، فرد عليه قائلًا ” يجب أن تهدأ وتطلب النصيحة من نوع معين من الأشخاص. شخص يحبك ولكنه لا يهتم كثيرًا بمشاعرك. من المرجح أن يقدم لك هذا الشخص نصيحة جيدة”.، لتكون بذلك الاقتباس الأجمل على مستوى الاقتصاد السلوكي وعلوم القرار.
اقتباس اقتصادي: ” إن المكاسب والخسائر قصيرة الأمد، وهي عبارة عن ردود أفعال عاطفية فورية. وهذا يحدث فرقًا هائلاً في جودة القرارات.” – دانييل كانيمان.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال