الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع بداية عام 2025، اكتسح اسم DeepSeek الأوساط التقنية العالمية. هذه الشركة الصينية الناشئة، التي لم يمضِ على تأسيسها سوى عام ونصف، استطاعت خلال شهر واحد فقط إطلاق نموذجين قويين للذكاء الاصطناعي، DeepSeek-V3 و DeepSeek-R1، مما شكل تحديا حقيقيا لعمالقة المجال مثل OpenAI و Meta. ولم يكد يمر أسبوع على إطلاق نموذج R1 حتى تفوق على ChatGPT واحتل المرتبة الأولى في متجر App Store في الولايات المتحدة، كما تصدّر متاجر التطبيقات في عدة دول أخرى. لم يكن تأثير هذا الإنجاز تقنيا فحسب، بل امتد ليهز الأسواق المالية ويثير اهتمام المستثمرين العالميين.
ما كان أحد ليتوقع أن شركة شابة أطلقت أول نموذج واسع النطاق لها العام الماضي، يمكن أن تحدث الضجة كهذه للتكنولوجيا العالمية. وفقا للاختبارات الحالية، أثبت نموذج DeepSeek-R1 قدرته على منافسة أقوى النماذج في مهام الرياضيات والبرمجة ومعالجة اللغة الطبيعية، بل وتفوق في بعض الجوانب على OpenAI o1، الذي يُوصف بأنه أقوى نموذج استدلالي حتى الآن.
الإنجاز الأبرز لـ “ديب سيك” لا يكمن فقط في أداء نموذجها، بل في كيفية تحقيقه رغم محدودية الموارد. في وقت تعاني فيه صناعة الذكاء الاصطناعي الصينية من نقص وحدات معالجة الرسوميات (GPUs) ومن حظر تصدير الرقاقات المتقدمة، تمكنت الشركة من تحقيق أداء يضاهي النماذج الرائدة بتكلفة تدريب منخفضة للغاية، مما أحدث ثورة في نموذج تدريب الذكاء الاصطناعي التقليدي. ومن حيث تسعير API، فإن تكلفة إخراج مليون توكن في R1 تبلغ 16 يوانا صينيا، أي ما يعادل أقل من.5 2 دولار أمريكي، وهو ما يمثل 1/30 من تكلفة اشتراك OpenAI o1.
على عكس العديد من الشركات الكبرى التي تعتمد نموذجا مغلقا، اختارت DeepSeek تبني سياسة المصدر المفتوح للمساواة. على الرغم من عدم الكشف عن بيانات التدريب بالكامل، إلا أن الشركة أتاحت أوزان النموذج وتقنيات التدريب بشكل مفتوح، مما يسمح للباحثين والمطورين حول العالم بتعديل النموذج وإعادة تطويره بحرية. هذا النهج يقلب الموازين، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي حكرا على الشركات العملاقة، بل أصبح متاحًا لمن يريد البناء والتطوير.
وقد صرح ليانغ وين فنغ، مؤسس DeepSeek، في مقابلة صحفية قائلا “في مواجهة التقنيات الثورية، فإن الخنادق التي تشكلها المصادر المغلقة قصيرة الأجل. حتى لو أغلقت OpenAI مصادرها، فلن تتمكن من منع الآخرين من اللحاق بها أو حتى تجاوزها”.
وأضاف ليانغ: “لم يكن هدفنا تحقيق أرباح سريعة، بل دفع النظام البيئي بأكمله نحو الأمام”. هذا الحماس للمثالية التقنية جعل DeepSeek بيئة جاذبة لألمع العقول الشابة. فلسفتها في العمل تختلف عن نهج الشركات التقليدية:
إن تأثير DeepSeek لم يكن مجرد حدث عابر، بل هزّ أوساط وادي السيليكون ولفت انتباه كبرى الشخصيات في المجال.
كتب مارك أندريسن، الشريك المؤسس لشركة Andreessen Horowitz، على منصة (X):” DeepSeek-R1 هو أحد أكثر الاختراقات المذهلة التي رأيتها على الإطلاق. كمشروع مفتوح المصدر، إنه هدية عظيمة للعالم”.
كما أشاد ماريو كرين(Mario Krenn)، رئيس مختبر الذكاء الاصطناعي في معهد ماكس بلانك لعلم الضوء في ألمانيا، بانفتاح DeepSeek-R1. وبالمقارنة، فإن نماذج OpenAI هي “صناديق سوداء في الأساس”.
وذكرت صحيفة نيويورك تايمز أنه عندما قصرت OpenAI وظائف البحث على النماذج المنخفضة المستوى، قامت شركة DeepSeek-R1 مباشرةً بفتح أوزان النموذج المتميز المدمج بعمق مع محركات البحث، مما أدى إلى انفجار في عدد التنزيلات على Hugging Face. هذه “الثقة التقنية” تسمح للمطورين بالتحكم الدقيق بحرية، مما يشكل نظامًا بيئيًا مفتوح المصدر يشبه نظام Android.
يأتي هذا التطور في وقت تعمل فيه كبرى الشركات الصينية، مثل Alibaba وTencent وByteDance وMoonshot AI وغيرها، على تضييق الفجوة التكنولوجية مع نظيراتها الأمريكية. بل في بعض الجوانب، مثل التكلفة والكفاءة، أصبحت الشركات الصينية تتفوق على منافساتها في الغرب.
في عصر الذكاء الاصطناعي، لا يعتمد تقدم التكنولوجيا على قيادة العمالقة فحسب، بل يحتاج أيضا إلى المزيد من المبتكرين مثل DeepSeek. من خلال المصادر المفتوحة والتعاون، يمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي أن تنتشر بسرعة أكبر وتفيد المزيد من الناس. كما قال ليانغ وين فنغ “لا يمكن للذكاء الاصطناعي الصيني أن يظل في موقف المتابع إلى الأبد. لا بد أن يقف أحد في المقدمة”. إن صعود DeepSeek هو تجسيد لهذه الرؤية، و”تأثير السلور” الذي أحدثه قد بدأ لتوه.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال