الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت شركة النفط البريطانية “بي بي” (BP) وبشكل مفاجئ عن زيادة استثماراتها السنوية في قطاع النفط والغاز إلى 10 مليارات دولار، مما يمثل تراجعا واضحا عن استراتيجيتها الطموحة خلال السنوات الخمس الماضية للتحول إلى الطاقة المتجددة، وكأن الشركة قررت إنهاء خطتها الجذرية التي جعلتها من رواد التحول الأخضر، فهل ما يحدث اليوم ما هو إلا باكورة تحولات تقود إلى تأخر عصر التحول الأخضر؟
رغم أن “بي بي” كانت من أوائل شركات النفط الكبرى التي التزمت بالتحول إلى الطاقة النظيفة وخفض انبعاثاتها الكربونية، إلا أن ضغوط الأسواق المالية والمساهمين فرضت عليها إعادة النظر في أولوياتها، إذ لم تحقق استثماراتها في الطاقة المتجددة العوائد المالية المتوقعة من قبل المستثمرون (ارتفعت تكاليف الاستثمار في طاقة الرياح والطاقة الشمسية بنسبة 30% خلال السنوات الخمس الماضية حسب تقرير بلومبرغ للطاقة المتجددة BloombergNEF, 2024 مما زاد صعوبة تحقيق أرباح مستدامة في هذا المجال)، بينما استمرت أرباح النفط والغاز في النمو بفضل الطلب القوي والاضطرابات الجيوسياسية التي أبقت الأسعار في مستويات مرتفعة نسبيا.
قرار الشركة لا يتعلق بعوامل اقتصادية فقط، بل يمتد إلى الجوانب الجيوسياسية أيضا، فالحرب في أوكرانيا، والتوترات المستمرة في الشرق الأوسط، كلها عوامل ساهمت في إبقاء أسواق النفط تحت الضغط، مما دفع الدول الغربية إلى إعادة النظر في سياساتها لضمان أمن الطاقة، وهو ما دفع حكومة المملكة المتحدة إلى تخفيف بعض القيود على مشاريع التنقيب في بحر الشمال، وموافقة إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” على منح المزيد من التراخيص للتنقيب عن النفط في خليج المكسيك، وهو ما يوفر بيئة مواتية لشركات النفط الكبرى لتعزيز استثماراتها، وبما أن “بي بي” واحدة من اللاعبين الرئيسيين في قطاع الطاقة، فإن استراتيجيتها الجديدة لا تهدف فقط إلى تحقيق أرباح سريعة، بل أيضًا إلى ضمان دورها المحوري في تأمين الإمدادات العالمية.
لكن، تركيز “بي بي” الجديد على النفط والغاز لا يعني بالضرورة التخلي عن مشاريعها في الطاقة المتجددة، رغم أنه من المرجح أن يؤثر قرارها على مستقبل التحول في قطاع الطاقة، حيث قد تتبنى شركات أخرى نهجا مماثلا، مما يؤدي إلى إبطاء وتيرة التحول نحو مستقبل منخفض الكربون، فإن هذا التحول قد يساهم في تطوير سياسات أكثر توازنا، للجمع بين تحفيز الاستثمار في الطاقة المتجددة وضمان استقرار أسواق النفط، وربما نشهد – في مرحلة لاحقة – تحولات تعيد تشكيل المشهد، مثل تسارع الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة، أو تشديد اللوائح البيئية، أو حتى تغيرات جيوسياسية غير متوقعة قد تؤثر على أسواق النفط والغاز، وبرغم أن التحولات الكبرى لا تحدث بين ليلة وضحاها، فقد نشهد خلال العقد القادم موجة جديدة من الاستثمارات في الطاقة المتجددة، مع تحسن التكنولوجيا وانخفاض تكاليف الإنتاج.
سيظل قطاع الطاقة متحركا ومتغيرا بناءً على معادلة الأرباح والخسائر، وبعيدا عن الضغوط الأيديولوجية أو الطموحات البيئية غير المدروسة، حيث تتبدل الأولويات تبعا للظروف الاقتصادية، والتطورات الجيوسياسية، والتقدم التكنولوجي، لكن من غير المستبعد أن نشهد في المستقبل القريب موجة جديدة من التحولات تعيد رسم خارطة الطاقة العالمية، فالتاريخ يؤكد أن أي صناعة تتجاهل التغيير مصيرها الركود، وبالتالي فإن التحدي الحقيقي لشركات مثل “بي بي” لن يكون فقط في تحقيق أرباح من النفط والغاز، بل في إيجاد التوازن الأمثل بين استثماراتها لضمان قدرتها على المنافسة في عالم يتحرك بوتيرة متسارعة نحو الابتكار والاستدامة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال