فيلم “نه تشا 2”: التقنيات الرقمية الصينية تطلق العنان للقصص الشرقية نحو العالمية

منذ إطلاقه خلال موسم عطلة الربيع لعام 2025، حقق فيلم الرسوم المتحركة الصيني “نه تشا 2” نجاحا استثنائيا، حيث تجاوزت إيراداته العالمية 13 مليار يوان صيني (حوالي  1.86مليار دولار أمريكي)، ليصبح ضمن قائمة العشرة الأوائل في تاريخ شباك التذاكر العالمي، وأول فيلم رسوم متحركة غير هوليوودي يتصدر قائمة شباك التذاكر العالمية لأفلام الرسوم المتحركة. لا يمثل هذا الإنجاز علامة فارقة في صناعة السينما الصينية فحسب، بل يشير أيضا إلى أن الصين فتحت نموذجا جديدا للتعبير الثقافي على المستوى العالمي من خلال التكامل العميق بين التقنيات الرقمية والصناعات الثقافية.

أشارت صحيفة “نيويورك تايمز” نقلا عن نقاد سينمائيين مستقلين، إلى أن فيلم “نه تشا 2” يُعد فيلما ناجحا بكل المقاييس، حيث استطاع أن يجذب جميع فئات الجمهور وينال إعجابهم. كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في تقرير لها أن “نه تشا 2” يُظهر لنا كيف أصبحت الأفلام الصينية قادرة على المنافسة عالميا.

يكمن سر نجاح “نه تشا 2” في قوته التقنية المبتكرة. حيث يحتوي الفيلم على 2427 لقطة، من بينها 1948 لقطة بتقنية المؤثرات الخاصة، وهو رقم غير مسبوق في أفلام الرسوم المتحركة الصينية. على سبيل المثال، تم استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي المتطورة في المشهد الذي يضم أكثر من 200 مليون شخصية رقمية، حيث طُورت “تقنية الموجات الذكية” لحساب المسارات الفيزيائية للحركة وفقا للجماليات الشرقية، مما دفع الرئيس التنفيذي لشركة IMAX أن يصرح أن هذه التقنية “معيار تقني يُعيد تشكيل سوق السينما العالمي”. 

ولعل من أبرز المشاهد التي لا تنسى في الفيلم، مشهد “السوائل المنصهرة” الذي تطلب محاكاة تأثيرات سائلة لثماني طبقات مختلفة من المواد بسرعات متفاوتة، وهو ما استدعى من فريق العمل تكرار المعالجة من ستين إلى سبعين مرة للوصول إلى النتيجة المرجوة.

كشف المخرج جياو زي عن أن إنتاج بعض اللقطات استغرق دورة إنتاج كاملة، حيث قال: “استغرق إنتاج لقطة واحدة أكثر من ثلاث سنوات، والنتيجة النهائية التي توصلنا إليها قد لا تكون مثالية، لكنها أفضل ما يمكن تحقيقه في الوقت الحالي”.

وراء معجزة “نه تشا 2” في شباك التذاكر، يكمن نظام صناعة السينما الصينية المتطور والمتكامل. شارك في إنتاج الفيلم 138 شركة رسوم متحركة محلية، وأكثر من 4000 متخصص في صناعة الرسوم المتحركة. غطت هذه الشركات جميع جوانب إنتاج الرسوم المتحركة، بما في ذلك تصميم الشخصيات، ونمذجة المشهد، وإنتاج الرسوم المتحركة، ومعالجة المؤثرات الخاصة، وتقديم الإضاءة، وما إلى ذلك، وتم النجاح في الإنتاج هذا الفيلم الضخم بجهود مشتركة.

شارك مركز الحوسبة الفائقة في منطقة قويآن الجديدة بمقاطعة قويتشو بدور هام في دعم عمليات الحوسبة اللازمة لإنتاج “نه تشا 2”. وفقا للمسؤول المعني في المركز، فقد استغرقت عملية إنتاج “نه تشا 2” خمس سنوات، منها ثلاث سنوات استخدمت فيها الحوسبة السحابية المتقدمة لتقديم معالجة بصرية عالية الجودة، وصلت إلى تشغيل 1000 بطاقة رسومية متقدمة في وقت واحد خلال ذروة الإنتاج، وهو إنجاز غير مسبوق في الصين.

على الرغم من المستوى المتقدم في الإنتاج، إلا أن القصة والرسائل التي يحملها الفيلم كانت العنصر الأساسي في جذب الجماهير. يستند الفيلم إلى شخصية “نه تشا”، وهي شخصية مستوحاة من الأسطورة الصينية الشهيرة، تحظى بشعبية جارفة. وقد ساهم إعادة تشكيل القصة والتقنيات المبتكرة في بث حياة جديدة في الأسطورة القديمة، مما يؤكد على فعالية نموذج “الثقافة التقليدية + التعبير المعاصر + التصنيع”. كما أن القيم التي يحملها “نه تشا 2″، مثل “التصالح بين الأجيال”، و”الهوية الذاتية”، و” كسر التحيز”، و” البقاء العرقي”، تلقى صدى لدى مختلف الفئات العمرية والخلفيات والتجارب، وحتى لدى الأشخاص من مناطق مختلفة.

بعد نجاح “نه تشا 2” في السوق الصينية، انطلق الفيلم نحو العالمية، وسيُعرض قريبا في العديد من الدول العربية، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، ومصر، والأردن، وغيرها. ولا شك أن ذلك سيُصبح نافذة جديدة للتعرف على الثقافة الصينية، ويُضفي حيوية جديدة على التبادل الثقافي بين الصين والدول العربية.