الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما نتحدث عن مدينة هانغتشو، قد يتبادر إلى ذهن الكثيرين في البداية البحيرة الغربية الخلابة وأسطورة الأعمال التجارية علي بابا، ولكن هذه المدينة القديمة الواقعة جنوب نهر اليانغتسي بدأت تبرز على الساحة التكنولوجية العالمية بطريقة جديدة تماما.
اليوم، لا تقتصر شهرة هانغتشو على مجالات التجارة الإلكترونية والتمويل عبر الإنترنت، بل أصبحت أيضا حاضنة لمجموعة من نجوم التكنولوجيا الجديدة الواعدة، من بين هذه الشركات شركة “ديب سيك” المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، و”Unitree” في مجال تطوير الروبوتات، و “غايم ساينس” مطورة لعبة “ الأسطورة السوداء: ووكونغ ” من فئة “تريبل-أيه”، و”BrainCo” المركزة على تكنولوجيا واجهات الدماغ والحاسوب، و”DEEPRobotics” المتخصصة في تصنيع الروبوتات الذكية، و”Manycore” لبرمجيات التصميم السحابي.
هذه الشركات، التي يُطلق عليها “التنانين الستة الصغيرة لهانغتشو”، تمكنت من تحقيق الريادة عالميًا في مجالاتها، وأصبحت تمثل قوة صاعدة لا يمكن تجاهلها في مشهد التكنولوجيا العالمي. فما الذي جعل هانغتشو حاضنة مثالية لهذه الابتكارات؟
دعم حكومي قوي ورؤية استراتيجية
لم يكن نجاح هانغتشو وليد الصدفة، بل جاء نتيجة للتوجيهات السياسية طويلة الأجل والإجراءات الدقيقة التي اتخذتها الحكومة. في وقت مبكر من عام 2003، وضع الرئيس الصيني الحالي شي جين بينغ، عندما كان يشغل منصب أمين لجنة الحزب الشيوعي الصيني بمقاطعة تشجيانغ، استراتيجية “تشجيانغ الرقمية”، مما أرسى الأساس للاقتصاد الرقمي في هانغتشو. وخلال زيارته لتشجيانغ في عام 2023، شدد مجددا على ضرورة أن تكون المقاطعة في طليعة الابتكار التكنولوجي.
تتبنى حكومة هانغتشو نهجا فاعلا في دعم الشركات الناشئة، حيث توفر خدمات إدارية عالية الكفاءة وتقدم دعما ملموسا. على سبيل المثال، ساعدت “غايم ساينس” في الحصول على تصاريح الألعاب والمنح المالية، كما قامت بتنسيق الخدمات اللوجستية لموظفيها؛ أما “Unitree”، فقد استفادت من خدمة المراجعة السريعة لبراءات الاختراع، مما عزز حماية حقوقها الفكرية. فتتيح بيئة العمل الدقيقة هذه للشركات التركيز على البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا الأساسية.
بالإضافة إلى ذلك، أطلقت هانغتشو حزمة من الحوافز المالية، مثل إعفاءات ضريبية للشركات سريعة النمو مثل “ديب سيك”، مما مكنها من توجيه المزيد من الاستثمارات نحو تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة؛ وإنشاء صناديق خاصة للعلوم والتكنولوجيا لمساعدة الشركات الناشئة مثل “DEEPRobotics” على تجاوز تحديات المرحلة المبكرة، وتعزيز البحث والتطوير لسلسلة “Jueying” من الروبوتات ذات الأرجل الذكية.
قال عمدة هانغتشو ياو قاو يوان ذات مرة: “ مهما كانت الميزانية محدودة، لا يمكننا تقليص الإنفاق على التكنولوجيا، ويجب أن يكون الابتكار دائما المفهوم الرئيسي لهانغتشو”. بحلول عام 2025، ستنفذ هانغتشو سياسة “ثلاثة 15٪”، أي أن زيادة الاستثمار الحكومي في التكنولوجيا بأكثر من 15٪ سنويا، وتخصيص أكثر من 15٪ من الموارد المالية الجديدة للاستثمار في العلوم والتكنولوجيا، وتوجيه 15٪ من ميزانية السياسة الصناعية الحالية على القوى الإنتاجية الجديدة النوعية.
بيئة صناعية متكاملة تدفع الاختراقات
تمتلك هانغتشو نظاما بيئيا متكاملا أشبه بـ “غابة استوائية” للابتكار، حيث يغطي السلسلة الصناعية بأكملها بما في ذلك الرقائق والتخزين والخوادم ومراكز الحوسبة والخدمات السحابية والبرامج الأساسية ونماذج الذكاء الاصطناعي الأساسية وتطبيقات الصناعة.
ولتعزيز تكامل هذه المنظومة، تبنت هانغتشو نظام “قائد السلسلة”، حيث يتم تعيين مسؤول حكومي لكل سلسلة صناعية رئيسية، مما يصوغ سياسات خاصة لتطوير القطاعات الاستراتيجية. على سبيل المثال، اقترحت “خطة عمل تنمية صناعة المستقبل في هانغتشو (2025-2026)” التي صدرت في أوائل عام 2025 بوضوح اتخاذ الذكاء الاصطناعي العام، والروبوتات الشبيهة بالبشر، والذكاء الشبيه بالدماغ، والاقتصاد على ارتفاعات منخفضة، والبيولوجيا الاصطناعية كصناعات رئيسية، كما وضعت خطة لدعم المجالات الناشئة مثل الميتافيرس والتكنولوجيا الكمّية، مع هدف إنشاء أكثر من 10 مناطق صناعية رائدة خلال عامين.
كانت مدينة هانغتشو أول مدينة تطبق سياسات لصناعة الرسوم المتحركة والألعاب في عام 2005. وبعد عدة جولات من التكرارات، يوجد الآن أكثر من 270 شركة رسوم متحركة وألعاب في المدينة، مع أكثر من 20 ألف شخص موهوب. أصبحت لعبة “ الأسطورة السوداء: ووكونغ ” معيارا للألعاب المحلية بمبيعات بلغت 9 مليارات يوان صيني، وهي نتيجة للدعم من سلسلة الصناعة الكاملة في هانغتشو.
استراتيجية المواهب تحفز زخم الابتكار
إلى جانب دعم الشركات، تركز هانغتشو بشكل كبير على استقطاب وتنمية المواهب، حيث تستفيد من الجامعات الكبرى مثل جامعة تشجيانغ، إضافة إلى إنشاء مختبرات وطنية ومراكز أبحاث متقدمة. كما تسعى لاستقطاب الخبرات العالمية. حتى أن ممثلو الحكومة ذهبوا إلى بوسطن لدعوة هان بيتشنغ، مؤسس شركة “BrainCo”، للاستقرار في هانغتشو. ويتذكر هان بيتشنج: “ناقشت الإدارات الحكومية مع فريقي مستقبل تطوير وتطبيق تقنية واجهات الدماغ والحاسوب في هانغتشو، ولم يكن لديهم فقط نية صادقة، بل أظهروا أيضا اهتماما حقيقيا بالتكنولوجيا واحتراما واضحا للمواهب”.
هذا الاهتمام بالمواهب جعل هانغتشو تحصد لقب “المدينة الأكثر جاذبية للمواهب الأجنبية في الصين” لمدة 14 عاما متتالية، كما احتلت الصدارة في تصنيفات “المدن الأكثر سعادة في الصين” لمدة 18 عاما، مما جعلها بيئة مثالية لازدهار الابتكار.
الابتكار التكنولوجي في هانغتشو يقف على أعتاب نقطة تحول نوعي
قصة هانغتشو تُظهر أن الابتكار التكنولوجي ليس مجرد اختراقات تقنية، بل هو أيضا مشروع منهجي يشمل التوجيه السياسي، وبناء النظام الإيكولوجي، وجذب المواهب، والتخطيط للمستقبل. تقود هانغتشو، من خلال تخطيط دقيق على “المستقبل”، المدن التقليدية نحو آفاق جديدة للابتكار التكنولوجي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال