الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
كيف يمكن ليومٍ واحد أن يلخّص تاريخ أمةٍ بأكملها؟ إنّ يوم التأسيس السعودي، الذي نحتفل به في 22 فبراير من كل عام، يقدم لنا الجواب. فهو ليس مجرد تاريخٍ على صفحات التقويم، وإنما ذكرى تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1139هـ (1727م) على يد الإمام محمد بن سعود في الدرعية، حين وضع اللبنة الأولى لقيام كيانٍ سياسيٍّ موحَّدٍ في قلب الجزيرة العربية. إن هذه المناسبة تعكس نقطة الانطلاق التي انبثقت منها وحدة المملكة، وتجسّد اللحظة التي التحم فيها الأجداد حول حلمٍ عظيمٍ أسهم في بلورة الهوية السعودية وصياغة مستقبلها.
يشكّل يوم التأسيس السعودي محطةً فارقةً في مسيرة المملكة الممتدة على مدى ثلاثة قرون. فهو ليس مجرد حدثٍ مرّ عليه الزمن، بل احتفاءٌ بالعمق التاريخي والحضاري الذي نفخر به اليوم. فقد شهدت تلك القرون بناء ثلاث دول سعودية متعاقبة، أفضت في النهاية إلى توحيد المملكة العربية السعودية الحديثة عام 1932م على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود. إنّ استعادة هذه الذاكرة الوطنية في ذكرى التأسيس تضعنا أمام إرث الأجداد الذين وحّدوا معظم أرجاء نجد وبسطوا الأمن والاستقرار في طرق الحج والتجارة، ليصنعوا ملحمةً وطنيةً بلورت الشخصية السعودية. تلك الشخصية تستند إلى قيم الوحدة والإيمان والعزيمة، وتمتد جذورها في قلب تاريخٍ مجيدٍ من التضحيات والإنجازات.
وفي أيامنا هذه، ونحن نستحضر تلك الأمجاد، يحق لنا أن نفخر بما وصل إليه وطننا اليوم. فمنذ إطلاق رؤية السعودية 2030 بقيادة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظه الله – تسارعت وتيرة التحول والإنجاز.
ففي عام 2022 حققت المملكة أعلى معدل نمو اقتصادي بين دول مجموعة العشرين، مدفوعةً بالإصلاحات والاستثمارات الضخمة. كما انخفض معدل البطالة بين السعوديين، وقفزت نسبة مشاركة المرأة السعودية في سوق العمل. وقد شهدت القطاعات غير النفطية نموًا متسارعًا، في دليلٍ واضحٍ على نجاح خطط التنويع الاقتصادي والحد من الاعتماد على النفط. ومن ثمّ ارتفعت أصول صندوق الاستثمارات العامة لتعزيز إطلاق مشاريع كبرى وضخ الاستثمارات داخل المملكة وخارجها، كما تضاعفت الاستثمارات الأجنبية في مؤشرٍ على تنامي الثقة الدولية بالاقتصاد السعودي.
ترافقت تلك الإنجازات الاقتصادية مع نهضةٍ كبيرةٍ في تطوير البنية التحتية والخدمات؛ فازدادت نسبة تملّك الأسر السعودية للمساكن بفضل برامج الإسكان والدعم الحكومي، مما عزز الاستقرار الأسري وجودة الحياة للمواطنين. وفي قطاع الصحة، شُيّدت مستشفيات ومراكز طبية متخصصة في مختلف المناطق، ما ساهم في الارتقاء بالخدمات الصحية المقدمة للمجتمع.
كذلك أُطلِقت مشاريع كبرى لتحديث شبكة النقل، مثل قطار الحرمين السريع الذي يربط مكة المكرمة بالمدينة المنورة، ومترو الرياض الذي يعد من أكبر مشاريع النقل العام عالميًا. وجرى تطوير المطارات والموانئ لتسهيل ربط المملكة بالعالم وتيسير حركة التجارة والسياحة. إلى جانب ذلك، أولت المملكة اهتمامًا خاصًا بتراثها العريق وهويتها الوطنية، فسجّلت عدة مواقع سعودية في قائمة اليونسكو للتراث العالمي، لترسيخ أهمية الحفاظ على الإرث التاريخي. ولقي هذا الاهتمام صدىً واسعًا لدى الزوار من مختلف دول العالم، إذ تضاعفت أعداد المعتمرين والسياح بفضل تحسين الخدمات والمنشآت السياحية، ما جعل من المملكة وجهةً جاذبةً على المستوى العالمي.
وحين ننتقل إلى عالم التقنية، نجد أنّ رؤية السعودية 2030 خصصت للتحول الرقمي والتطوّر التقني مساحةً كبيرةً من الاهتمام. فاستثمرت المملكة في بنيتها التحتية الرقمية على مدى السنوات الماضية، ما رفع متوسط سرعات الإنترنت ومكّنها من اعتلاء مراتب متقدمة إقليميًا وعالميًا. وأصبح قطاع التقنية في السعودية الأكبر والأسرع نموًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما جعلها محورًا إقليميًا للابتكار والاستثمار التقني. كما حققت المملكة المركز الثاني ضمن دول مجموعة العشرين في مؤشر تطوير تقنية المعلومات والاتصالات لعام 2023، وتصدّرت المؤشرات العالمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والحكومة الرقمية، بفضل استراتيجيات وطنية طموحة. وأسهمت الهيئات المتخصصة، مثل الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي، في دفع عجلة الابتكار واستقطاب كبرى شركات التقنية العالمية للاستثمار في المملكة.
ما بين ملحمة التأسيس في الأمس وإنجازات الرؤية اليوم، نقرأ قصةَ وطنٍ أبيٍّ يمضي بثباتٍ نحو مستقبلٍ أكثر إشراقًا وتمكينًا. إنها قصةٌ جسّدها الأجداد بشجاعةٍ وحكمةٍ، ويواصل الأحفاد مسيرتها بعزيمةٍ وطموح. وفي يوم التأسيس، نستحضر تلك المسيرة المليئة بالعطاء، ونرفع أسمى آيات الشكر والامتنان للقيادة الرشيدة؛ بدءًا من الأئمة والملوك المؤسسين – رحمهم الله – وصولًا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله.
إن المملكة العربية السعودية اليوم تضرب أروع الأمثلة في التطوّر والتحوّل الإيجابي، بفضل إيمان أبنائها برؤيتها وثقتهم بقيادتهم. ومع كل نجاحٍ يتحقق ومع كل هدفٍ يُنجز، يعلو صوت الوطن مُبتهجًا “هذه سعوديتنا التي بدأها الأجداد مجدًا وأكملها الأحفاد وعدًا ووفاءً”. وليس لنا إلّا أن نكون على يقينٍ بأن مسيرة النهضة مستمرةٌ بإذن الله، حاملةً راية التقدم، ومجسّدةً شعار الوطن الخالد: “هي لنا دار” بكل معاني الولاء والفخر.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال