الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لطالما واجهت صناعة النفط توقعات متباينة بشأن نمو الطلب العالمي على النفط، مما خلق حالة من عدم اليقين في الأسواق مما قد يؤثر على قرارات الاستثمار في قطاعي المنبع والمصب. ومع ذلك، ظهر تحول ملحوظ: فقد أصبح نطاق توقعات نمو الطلب على النفط لعام 2025 أكثر تقاربا، مما يشير إلى احتمال تقارب وجهات النظر بين اللاعبين الرئيسيين في صناعة الطاقة.
توقعات أرامكو أقرب إلى الإجماع، وهو ما يُعزّز موثوقيتها
توقعات أرامكو بنمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا في عام 2024 تتوافق بشكل وثيق مع إجماع السوق، مما يعزز موثوقيتها. عندما يُقدم أحد كبار اللاعبين في الصناعة تقديرات تتماشى مع التوقعات الأوسع، فإن ذلك يشير إلى تحليل جيد الأساس يعتمد على ظروف السوق السائدة. يعزز هذا التوافق الثقة في توقعات أرامكو واتخاذ القرارات، مما يجعلها أكثر موثوقية للمستثمرين، والعملاء، وأصحاب المصلحة في الصناعة.
وفقًا لأحدث التوقعات، تتوقع وكالة الطاقة الدولية (IEA) نمو الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يوميًا في عام 2025، بينما تتوقع “منظمة أوبك” (OPEC) زيادة أعلى ولكنها لا تزال معتدلة عند 1.45 مليون برميل يوميًا. أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) وتوقعات أرامكو السعودية فتقع بينهما، بمتوسط يقارب 1.3 مليون برميل يوميًا. هذا التقارب في التوقعات قد يُمثّل تحولًا عن السنوات السابقة، حيث كانت الفجوات الكبيرة بين التقديرات المختلفة تثير جدلاً في الأسواق وتخلق حالة من عدم اليقين في السياسات، حيث تظل توقعات أرامكو الأقرب للواقع.
عام من التوقعات المُتباينة
عند النظر إلى عام 2024، كانت الفروقات بين التوقعات صارخة. فقد توقعت “منظمة أوبك” نموًا قويًا في نمو الطلب على النفط بمقدار 2.2 مليون برميل يوميًا، مستندةً إلى نشاط اقتصادي قوي وزيادة في حركة المرور على الطرق وارتفاع الطلب على السفر الجوي. أما أرامكو، فكانت أكثر تحفظًا بقليل، متوقعةً ارتفاع الطلب بمقدار 1.5 مليون برميل يوميًا. في المقابل، توقعت وكالة الطاقة الدولية نموًا أقل، عند 1.2 مليون برميل يوميًا، بحجة أن تباطؤ النشاط الاقتصادي في الصين وزيادة كهربة قطاع النقل سيؤثران على الطلب.
أثارت هذه الاختلافات تساؤلات حول أي النماذج تعكس بشكل أكثر دقة المشهد المُتغيّر للطاقة العالمية. فهل كانت أوبك متفائلة للغاية بشأن الطلب في الأسواق الناشئة؟ أم أن وكالة الطاقة الدولية كانت تُقلل من قدرة استهلاك النفط على الصمود؟
تقلص الفجوة في توقعات الطلب على النفط – هل هي علامة على زوال حالة عدم اليقين؟
تشير التوقعات لعام 2025 إلى أنه، رغم استمرار وجود اختلاف، إلا أن نطاق التباين أصبح أكثر ضيقًا. فما الذي يقف وراء هذا التغيّر؟ هناك عدة عوامل قد تكون ساهمت في ذلك:
أولا: وضوح أكبر بشأن آفاق الاقتصاد الصيني – العام الماضي، ساهمت حالة عدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد الصيني في تباين التوقعات. أما اليوم، فقد أصبحت الصورة أكثر وضوحًا، حيث يرتبط الطلب الصيني على النفط بشكل متزايد بالمخزون الاستراتيجي وصادرات المنتجات البترولية المكررة أكثر من النمو الاستهلاكي التقليدي.
ثانيا: تقارب في الافتراضات الاقتصادية – لا يزال الاقتصاد العالمي يواجه حالة من عدم اليقين، لكن يبدو أن الجهات المختلفة بدأت تتفق على رؤية مشتركة بشأن النمو والتضخم واتجاهات استهلاك الطاقة.
ثالثا: تغيرات هيكلية في أسواق الطاقة – يتقدم التحول نحو مصادر طاقة متجددة، لكن سرعتها لا تزال غير واضحة. ففي حين تستمر وكالة الطاقة الدولية في التأكيد على انخفاض الطلب على المدى الطويل بسبب كهربة قطاع النقل، تأخذ “منظمة أوبك” في الاعتبار استمرار الطلب القوي من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). ومع ذلك، يبقى السؤال ما إذا كان الطرفان يعترفان بأن أيام النمو السريع في الطلب على النفط قد تكون اقتربت من نهايتها.
هل تعديلات أوبك المتكررة تعكس تزايد القلق بشأن تباطؤ الطلب؟
تعكس المراجعات المتكررة التي أجرتها أوبك خلال العام الماضي التغيرات الديناميكية في نمو الطلب العالمي على النفط. فمنذ شهر أغسطس عام 2024، قامت “منظمة أوبك” بخمس مراجعات متتالية خفضت فيها توقعاتها لنمو الطلب العالمي على النفط، قبل أن تستقر التقديرات عند 1.45 مليون برميل يوميًا في شهر ديسمبر عام 2024. ومنذ ذلك الحين، لم يتم إجراء أي تعديلات على التوقعات، حيث حافظت أوبك على نفس الأرقام في شهر فبراير عام 2025. وعلى الرغم من أن هذا الرقم لا يزال الأعلى بين توقعات نمو الطلب المختلفة، إلا أنها الأكثر تحفظًا مقارنةً بتوقعاتها السابقة.
ربما تعكس هذه التعديلات تزايد القلق بشأن تباطؤ نمو الطلب على النفط في الصين، وضعف النشاط الصناعي في الأسواق الرئيسية، والتوسع المستمر لمصادر الطاقة المتجددة. ومع ذلك، تصر أوبك على أن الطلب العالمي على النفط سيواصل النمو، وإن كان بوتيرة أبطأ مع مرور الوقت.
الجدل حول ذروة الطلب على النفط لا يزال مستمراً
على الرغم من تضييق نطاق التوقعات، فإن استمرار وجود اختلافات في التنبؤات قد يُساهم تباين توجيه قرارات الاستثمار، مما يمنح منتجي النفط أبعاد مختلفة لتلبية الطلب المستقبلي. كما أنها تُسلط الضوء على الفرضيات المختلفة حول تحول الطاقة، مما يؤثر صانعي السياسات على موازنة المخاطر والفرص المحتملة.
ومع ذلك، فإن دفع وكالة الطاقة الدولية لفكرة أن عام 2030 قد يكون بداية ذروة الطلب على النفط يظل موضوعًا مثيرًا للجدل. فبينما تتوقع نماذجها انخفاض استهلاك النفط في الاقتصادات المتقدمة، تجادل أوبك وأرامكو بأن الاحتياجات المتزايدة للطاقة في العالم النامي ستعوض هذا الانخفاض.
في الوقت الحالي، يبدو أن هناك إجماعًا على أن الطلب على النفط سيستمر في النمو حتى وإن كان بوتيرة أبطأ من السابق. لكن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان هذا الاتجاه يمثل تحولًا طويل الأجل أم مجرد فترة هدوء مؤقتة لهيمنة النفط. الشيء الوحيد المؤكد هو أن أسواق الطاقة عند مفترق طرق، ورغم تضييق فجوة التوقعات، فإن الجدل حول ذروة الطلب على النفط لم يُحسم بعد.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال