الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
خلال إحدى رحلاتي إلى وجهة سياحية أوروبية، دخلت متجرا صغيرا وعند الدفع بالبطاقة الائتمانية، فوجئت برفضها. أوضح البائع أن الدفع مقتصر على النقد أو البطاقات المحلية لتجنب رسوم المعاملات الدولية. اضطررت لسحب النقود من صراف آلي، متحملا رسوما غالبا تفوق ما كان سيدفعه التاجر، والتي يذهب جزء منها إلى بنك خارج الدولة.
هذه التجربة تعكس “الاحتكاك الاقتصادي”، حيث تؤدي العوائق الصغيرة إلى تقييد إنفاق السائح وتقليل التدفقات النقدية. وأي صعوبة في الدفع قد تدفع المشتري لتقليل إنفاقه أو تأجيل مشترياته، مما يؤدي إلى “تسرب اقتصادي” غير مرئي إلا عند تحليله بشكل أوسع.
السياحة ليست مجرد ترفيه، بل “إبرة لنضارة الاقتصاد”، تحفز قطاعات متعددة عبر “الأثر المضاعف”. فكل ريال ينفقه السائح يعزز الزراعة، الصناعة، والخدمات.
مثلاً، كوب قهوة بسيط يحرك اقتصادا متكاملاً، من المزرعة التي زرعت البن، إلى مصنع الأكواب، ثم شركة التوزيع، وصولا إلى موظفي الخدمة، مما يخلق الوظائف وينشط الأسواق. في السعودية يبلغ عدد المشتغلين في قطاع السياحة 959,175 موظفا خلال الربع الثاني من عام 2024، ما يشكل 5.7% من إجمالي القوى العاملة.
وعند تحليل سلوك الإنفاق السياحي في السعودية، نجد انه بلغ إنفاق السياح في 2023 140.9 مليار ريال، منها 45 مليار ريال على الضيافة (31.9%)، بينما استحوذت القطاعات الأخرى التي قد تمتنع عن قبول البطاقة الائتمانية على 95.9 مليار ريال (68.1%). وعندما ندخل في التفاصيل أكثر نجد هناك فروقات واضحة بين المدن في سلوك الدفع، في مكة يبلغ متوسط الإنفاق للعملية الواحدة 86 ريالا، وهو أعلى من الرياض التي يبلغ متوسطها 83 ريالا، لكن بعدد عمليات أقل. يعود ذلك إلى طبيعة السائح في مكة الذي يركز على المشتريات التذكارية والهدايا، فينفق أكثر في كل عملية. بينما تنوع الأنشطة في الرياض يزيد من عدد العمليات الشرائية.
تحت المجهر…
أرى ان السياحة ليست قطاع يصل إلى مرحلة التشبع، بل ينمو باستمرار وفق “نظرية الطلب المرن”، حيث يخلق كل تطوير في التجربة السياحية طلبا إضافيا. في عالم السفر الحديث، لا أحد يريد أن ينشغل بمشاكل الدفع، بل يبحث عن تجربة رقمية سلسة، تماما مثل حجز فندق بضغطة زر.
ولتحقيق أقصى استفادة اقتصادية. فإن أحد الأدوات الفعالة لمنع تسرب إنفاق السائح هي إصدار “بطاقة سياحية موحدة”، تتيح الدفع في وسائل النقل، المتاجر، ومحطات الوقود، دون الحاجة إلى مراجعة البنوك لإصدار بطاقة محلية. يمكن أن تكون هذه البطاقة رقمية مدمجة في تطبيق النقل العام أو بطاقة فعلية تُباع في المطارات ومحطات النقل تعمل تماما مثل بطاقات “مدى”.
تبني التقنية المالية (FinTech) في السياحة لا يعزز الإنفاق فقط، بل يحوّل كل زائر إلى استثمار اقتصادي مستدام.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال