الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يشهد الاستثمار الرياضي في المملكة العربية السعودية تطورًا متسارعًا، في ظل رؤية السعودية 2030 التي جعلت من الرياضة قطاعًا استثماريًا واعدًا يسهم في تنويع الاقتصاد وتعزيز جودة الحياة. ولم يعد الاستثمار الرياضي يقتصر على دعم الأندية أو استضافة البطولات، بل أصبح جزءًا من المنظومة الاقتصادية المتكاملة، التي تشمل البنية التحتية، والاستثمارات الخاصة، وحقوق البث، والرعايات التجارية، مما يتطلب بيئة تنظيمية وتشريعية مرنة تضمن تحقيق النمو والاستدامة.
ورغم التقدم الذي شهدته المملكة في هذا القطاع، لا تزال هناك تحديات تشريعية وتنظيمية تتطلب تطويرًا مستمرًا لضمان استقطاب الاستثمارات وتعزيز الحوكمة المالية للأندية. فلم تعد الرياضة مجرد نشاط ترفيهي، بل أصبحت صناعة متكاملة تتطلب تشريعات واضحة تواكب التطورات العالمية، وتتيح للقطاع الخاص دورًا أكبر في تملك الأندية وتمويل المشروعات الرياضية.
وفي هذا السياق، أطلقت وزارة الرياضة مبادرة لإعداد مشروع نظام الرياضة، الذي نُشر على منصة استطلاع بتاريخ 1 أكتوبر 2023 لاستقبال المرئيات من المختصين والمهتمين، قبل أن يتم رفعه إلى مجلس الوزراء الموقر لاستكمال الإجراءات النظامية اللازمة. ويهدف المشروع إلى إرساء إطار قانوني متطور ينظم القطاع الرياضي، ويعزز فرص الاستثمار، ويضع آليات واضحة للحوكمة والرقابة المالية، بما يواكب أفضل الممارسات العالمية في هذا المجال.
كما أن الجهود التشريعية في هذا المجال لم تبدأ من الوزارة وحدها، بل شهدت مبادرات سابقة داخل مجلس الشورى، حيث وافق المجلس في جلسته العادية الخامسة والعشرين من السنة الثالثة للدورة الثامنة، التي عُقدت بتاريخ 20 مارس 2023، على مشروع نظام الرياضة المقدم من الدكتور تركي العواد وأحد زملائه، وذلك استنادًا إلى المادة (23) من نظام مجلس الشورى، وتم رفعه إلى المقام السامي لاستكمال الإجراءات النظامية. ويهدف مشروع النظام إلى تنظيم القطاع الرياضي وفق أسس حديثة تضمن حوكمة الأندية والاتحادات الرياضية، وتعزز الرقابة المالية لضمان استدامة الأندية ماليًا وإداريًا. كما يتضمن النظام أحكامًا خاصة بتشجيع الاستثمار في الأندية الرياضية، ووضع آليات واضحة لخصخصتها، إضافة إلى تنظيم حقوق البث والرعاية التجارية، مما يسهم في تعزيز بيئة الاستثمار الرياضي في المملكة.
وفي هذا الإطار، أطلقت وزارة الرياضة مؤخرًا منظومة من اللوائح تهدف إلى تطوير القطاع الرياضي وتعزيز حوكمته، وهو ما يمثل خطوة مهمة في تنظيم العمل الرياضي وضبط الممارسات الإدارية والمالية داخل الأندية والاتحادات الرياضية. إلا أن الحاجة لا تزال قائمة لإقرار مشروع نظام الرياضة، نظرًا لما يتضمنه من أحكام تشريعية أساسية لا يمكن أن تغطيها اللوائح وحدها. فالأنظمة هي التي تضع مظلة قانونية شاملة، تشمل منح التراخيص، والرسوم والمقابلات المالية، وتضع قواعد الرقابة والحوكمة، وتحدد المخالفات والعقوبات المقررة لها، وتنظم آليات تسوية النزاعات، مما يمنح القطاع الرياضي إطارًا قانونيًا متكاملًا يضمن الاستقرار التشريعي على المدى الطويل ويعزز ثقة المستثمرين في استقرار القطاع، ويضمن وضوح التشريعات المنظمة له.
تجدر الإشارة إلى أن قرار مجلس الوزراء رقم 248 الصادر بتاريخ 9/5/1440هـ، والمتعلق بالجزاءات المقررة على مخالفة اللوائح والقواعد المنظمة للترخيص بإقامة المنشآت والمرافق الرياضية، جاء في مرحلة سابقة لمعالجة الأوضاع بشكل مرحلي وعاجل. ومع تطور القطاع الرياضي وتعاظم دوره الاقتصادي، باتت الحاجة ملحّة لمراجعته وتحديثه ضمن إطار تشريعي أكثر شمولية. ولهذا، جاء مشروع نظام الرياضة ليخضع هذا القرار للمراجعة والتطوير، بما ينسجم مع ضوابط إعداد الأنظمة التي حددها قرار مجلس الوزراء رقم 713 لعام 1438هـ، وذلك لضمان اتساق المنظومة التشريعية للرياضة مع أفضل الممارسات التشريعية الحديثة.
ومع اقتراب مرور عامين على إقرار مجلس الشورى لمشروع نظام الرياضة ورفع وزارة الرياضة لمشروعها سالف الذكر، لا يزال النظام في طور استكمال إجراءات مراجعته داخل أروقة مجلسي الوزراء والشورى، وفقًا لما تقرره المادة (17) من نظام مجلس الشورى، مما يبرز الحاجة الملحة إلى الإسراع في استكمال الإجراءات النظامية وإقراره، ليواكب تطلعات القطاع الرياضي والمستثمرين فيه، ويحقق الأهداف الاستراتيجية المرجوة.
إن تعزيز الحوكمة في الأندية يعد أحد أهم العوامل التي تسهم في استدامة الاستثمار الرياضي. إذ تواجه الأندية الرياضية تحديات مالية تتطلب تطبيق أعلى معايير الشفافية والإفصاح المالي لضمان تحقيق التوازن بين المصروفات والإيرادات، بعيدًا عن الاعتماد على الدعم الحكومي أو الرعايات التقليدية. ومن هنا، فإن تطوير التشريعات المنظمة لعمل الأندية، وإلزامها بتبني خطط مالية مستدامة، أصبح ضرورة ملحّة لضمان استقرارها المالي وتعزيز قدرتها على التنافس محليًا وعالميًا.
ويتطلب ذلك تمكين الأندية من تنويع مصادر دخلها، من خلال الاستثمار في الأصول الرياضية، وتنظيم حقوق البث والرعاية التجارية، والتسويق الرقمي، وإطلاق مشاريع تجارية مرتبطة بالنشاط الرياضي. وهذا لن يتحقق إلا من خلال بيئة تشريعية مرنة، تمنح المستثمرين الثقة في استدامة القطاع، وتضمن تطبيق مبادئ الحوكمة الرشيدة في إدارة الأندية ومجالس إداراتها.
ختامًا، إن تطوير منظومة الاستثمار الرياضي في المملكة يتطلب تحديثًا مستمرًا للأطر القانونية التي تنظم هذا القطاع، بما يسهم في تحفيز رؤوس الأموال المحلية والأجنبية على دخول السوق الرياضي، وتوفير ضمانات قانونية للجهات المستثمرة. وفي هذا الإطار، تبرز أهمية الإسراع في مراجعة مشروع نظام الرياضة، واستكمال إجراءات إقراره، لما لذلك من دور جوهري في تعزيز البيئة التشريعية للاستثمار، وتعزيز الحوكمة في القطاع الرياضي، وضمان استدامته المالية والإدارية. وإقرار هذا النظام سيمثل خطوة حاسمة نحو تحويل الرياضة إلى قطاع اقتصادي قوي يدعم تحقيق مستهدفات رؤية 2030، ويعزز مكانة السعودية كمركز رياضي عالمي قادر على استضافة أكبر الفعاليات الرياضية واستقطاب الاستثمارات المحلية والدولية في المجال الرياضي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال