الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن الذكاء الاصطناعي العاطفي يُمثّل أحد التطورات التقنية المتقدمة التي بدأت تندمج في البنية الاقتصادية الحديثة، بوصفه أداة لتحليل المؤشرات العاطفية لدى الأفراد كجزء من عملية التفاعل التقني. وقد ساهمت هذه التقنية في فتح آفاق اقتصادية جديدة، خصوصًا في قطاعات تعتمد على التفاعل الإنساني مثل الرعاية الصحية، التعليم، وخدمات المستهلك، حيث تُستخدم الأنظمة المعتمدة على الذكاء العاطفي لاستقراء المشاعر بهدف تحسين جودة الخدمة، وتعزيز تجربة الاستخدام، ورفع الكفاءة التشغيلية. ونتيجة لهذا التحول، بدأت نماذج أعمال متعددة تعتمد على التحليل العاطفي كعامل مؤثر في صناعة القرار وتحقيق الميزة التنافسية في الأسواق الرقمية.
كما أن الذكاء الاصطناعي العاطفي يتعامل مع نوع من البيانات يتميّز بطبيعته الدقيقة والخاصة، مثل نبرة الصوت وتعبيرات الوجه وحركة العين، والتي يمكن من خلالها استنتاج الحالة الشعورية للفرد. هذه البيانات، رغم أنها لا تُصنّف دائمًا ضمن البيانات الشخصية التقليدية، إلا أنها تتطلب مقاربة قانونية دقيقة نظرًا لحساسيتها. وجدير بالذكر التمييز بين الذكاء الاصطناعي العاطفي والذكاء العاطفي البشري، إذ يُقصد بالأول قدرة الأنظمة التقنية على تحليل واستنتاج المشاعر البشرية من خلال مؤشرات حسية، بينما يُشير الثاني إلى قدرة الإنسان ذاته على فهم وإدارة مشاعره ومشاعر الآخرين. وعليه، فإن الذكاء الاصطناعي العاطفي لا يمتلك مشاعر حقيقية، وإنما يقوم بمحاكاتها بناءً على تحليلات خوارزمية. كما تختلف آليات معالجته عن المعالجات التقليدية للبيانات النصية أو الرقمية، الأمر الذي يستوجب دراسة تنظيمية متخصصة تُراعي خصائص هذا النوع من البيانات من حيث الجمع، والتحليل، والتخزين، والاستخدام، دون الإضرار بحقوق الأفراد أو التأثير على العدالة السوقية.
لذلك، فإن تزايد استخدامات الذكاء العاطفي في البيئة الاقتصادية الرقمية يدعو إلى تعزيز الأطر القانونية التي تُنظم جمع ومعالجة هذا النوع من البيانات، بما في ذلك اشتراط الموافقة المستنيرة، وتحديد الأغراض المشروعة للمعالجة، وإرساء مبادئ الشفافية والحدود الوظيفية للبيانات. ومن الجانب الاقتصادي، فإن تقنين هذه التطبيقات يُساهم في استقرار البيئة الاستثمارية، ويُعزز من الثقة بين جميع الأطراف الفاعلة في السوق، لاسيما أن عددًا متزايدًا من الشركات الناشئة باتت تعتمد في نماذجها على البيانات المستخلصة من المشاعر لتقديم خدمات ذات طابع شخصي. كما أن وجود لوائح واضحة يُساهم في خفض المخاطر التنظيمية ويُحسّن من كفاءة الامتثال ويزيد من الجاذبية التمويلية لهذا النوع من المشاريع التقنية.
ختامًا، يُمثل الذكاء الاصطناعي العاطفي نقطة التقاء بين التطور التقني وحماية الحقوق الأساسية، ويُمكن استثماره كأداة فعالة ضمن منظومة الاقتصاد الرقمي شريطة وجود بيئة تنظيمية واضحة ومحددة المعالم. إن الاعتراف القانوني بخصوصية البيانات العاطفية لا يُعد فقط استجابة لتطورات السوق، بل هو خطوة استباقية لضمان استدامة الابتكار وتحقيق التوازن بين الكفاءة الاقتصادية والحماية النظامية. وفي هذا الإطار، فإن تعزيز الحوكمة التقنية يُشكل ركيزة أساسية نحو بناء اقتصاد رقمي يقوم على احترام الخصوصية، وتحفيز الابتكار، وتوفير بيئة شفافة وعادلة لجميع المشاركين.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال