الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت شركة “مايكروسوفت” عن إيقاف خدمة اتصالات “سكايب” بحلول مايو 2025، مع توجيه المستخدمين إلى منصتها الحديثة “مايكروسوفت تيمز”، في خطوة قد تبدو مفاجئة للبعض، ولكن ما حصل لم يكن مجرد قرار استراتيجي داخلي، بل هو انعكاس حتمي للتغيرات السريعة التي تفرضها التكنولوجيا على الأسواق، فنجاح الأمس واليوم لا يضمن البقاء في الغد، خاصة في عالم الابتكار التقني المتسارع.
لم يكن “سكايب” – منذ إطلاقه عام 2003 – وحده الذي واجه مصير التراجع أو الخروج من السوق – رغم نجاحه الكبير – بل هناك العديد من الأمثلة المشابهة، مثل شركة “نوكيا” التي كانت تهيمن على سوق الهواتف المحمولة حتى ظهور الهواتف الذكية، والتي لم تتمكن من مجاراة تحول السوق نحو الهواتف العاملة باللمس والمدعومة بأنظمة تشغيل أكثر تطورا، وأيضا شركة “بلاك بيري” التي سيطرت يوما على الهواتف المخصصة للأعمال، إلا أنها سقطت بسرعة بسبب بطئها في تبني تطبيقات الهواتف الذكية وسوء استجابتها لمتطلبات المستخدمين المتغيرة، وعلى صعيد البرمجيات، كانت هناك خدمات مثل “ياهو مسنجر”، التي كانت معيارا للتواصل الرقمي في أوائل الألفية، لكنها لم تستطع الصمود أمام تطبيقات الدردشة الحديثة الأكثر تكاملا مع الشبكات الاجتماعية مثل “واتساب” و”فيسبوك ماسنجر”.
ما حدث مع “سكايب” يعكس حقيقة قاسية في الابتكار، وهي أن أي شركة تفقد قدرتها على التفكير بشكل ريادي (استباقي)، ومهما كانت قوتها قد تجد نفسها على حافة الاندثار إذا لم تستطع استشراف ما يحدث في معامل الأبحاث وما يُطوَّر في الكواليس من تقنيات جديدة، والدراسات في مجال ريادة الأعمال الابتكارية تؤكد أن الشركات التي تستند إلى نجاحات ماضية دون أن تستثمر في البحث العلمي لاستشراف المستقبل غالبا ما تصبح فريسة سهلة للتقنيات الحديثة، خاصة مع حقيقة أن دورة حياة الشركات الريادية اليوم أصبحت أقصر من أي وقت مضى بسبب التسارع التكنولوجي، مما يعني أن فشل هذه الكيانات الريادية في إعادة ابتكار نفسها وتكييف نماذج أعمالها وفقا للاتجاهات المستقبلية، والهروب من سيناريو أن تكون ضحية نجاحها الخاص – حيث تركز على تحسين منتجاتها الحالية بدلا من الاستعداد لابتكارات جديدة – ستكون الأكثر عرضة للانهيار وخروجها من الأسواق مسألة وقت.
اليوم، مع تسارع تطوير الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء، يتزايد خطر الزوال لأي مشروع ريادي لا يستطيع التكيف، والشركات الكبرى تدرك هذا، وهو ما دفع “أمازون” – على سبيل المثال – إلى التحول من مجرد متجر إلكتروني إلى قوة تكنولوجية ضخمة تسيطر على الحوسبة السحابية والخدمات الرقمية، بينما وعلى النقيض، شركات مثل “كوداك”، التي كانت في يوم ما تسيطر على عالم التصوير المرئي، لم تستطع مجاراة التحول الرقمي نحو التصوير الرقمي والهواتف الذكية، فسقطت رغم امتلاكها لبراءات اختراع مهمة في هذا المجال.
ما حدث لبرنامج “سكايب” هو درس مهم جدا في عالم الأعمال، والذي يؤكد أن الابتكار ليس خيارا، بل ضرورة وجودية، والمستثمرون الذين يهتمون بتفاصيل المشاريع المالية والتسويقية ويهملون مراقبة حركة البحث والتطوير في الصناعات التي يستثمرون فيها، قد يجدون أنفسهم خاسرين فجأة، ليس لأن مشاريعهم سيئة، ولكن لأن العالم قد انتقل إلى شيء آخر أكثر تقدمًا دون أن ينتظرهم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال