الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في قلب الصحراء التي تروي قصص الزمن، حيث الرمال تتغنى بأناشيد الصبر والتحدي، تنهض المملكة العربية السعودية شامخةً، تتجاوز غبار الماضي لتضيء سماء المستقبل. رؤية 2030، تلك اللوحة الفنية التي رسمها العقل السعودي الطموح، ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي حلم يتشكل على أرض الواقع، وعهدٌ بين شعب وقيادة لتحويل التحديات إلى فرص. ومن بين أعمدة هذا الحلم الشامخ، يبرز هدفٌ يمس شغاف القلوب: القضاء على شبح البطالة، ذلك العدو الخفي الذي يتربص بأحلام الشباب وطموحات الأمة.
البطالة ليست وليدة اليوم، بل هي ظلٌ يرافق البشرية منذ أن بدأت عجلة الاقتصاد تدور. في عالمٍ يضم أكثر من 8 مليارات نسمة، تتفاوت أرقام البطالة بين الدول كما تتفاوت ألوان الطيف. ففي دول تنخفض فيها نسبة البطالة، وتبدو الحياة وكأنها نسيم هادئ، نجد دول أخرى مثل جنوب إفريقيا تصل النسبة إلى 33.5%، يتحول الحلم إلى كابوس يومي. أما في المملكة العربية السعودية، فقد كانت البطالة قبل إطلاق الرؤية في 2016 كجبلٍ شاهق، إذ بلغت نسبتها بين السعوديين 12.8%، وفق بيانات الهيئة العامة للإحصاء. كان ذلك الرقم صرخة في وجه الواقع، داعيةً إلى تغيير جذري.
وعندما أُعلنت رؤية 2030، لم تكن مجرد وثيقة، بل كانت بمثابة سفينة تنطلق في بحر التحديات، حاملةً على متنها طموحاً لا يعرف المستحيل. من بين أهدافها الرئيسة، خفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7% بحلول عام 2030، لكن القدر كتب للمملكة أن تتجاوز هذا الهدف قبل أوانه. ففي الربع الرابع من عام 2024، أعلنت الهيئة العامة للإحصاء أن معدل البطالة بين السعوديين وصل إلى 7%، محققاً إنجازاً تاريخياً قبل خمس سنوات من الموعد المحدد. هذا الرقم ليس مجرد نسبة، بل هو شهادة على جهودٍ جبارة، ودليلٌ على أن الإرادة السعودية قادرة على تحويل الأحلام إلى حقائق.
لنقترب أكثر من هذا الإنجاز، دعونا ننظر إلى الأرقام التي تتكلم بلغة الواقع. في الربع الأول من عام 2024، كان معدل البطالة بين السعوديين 7.6%، ليواصل انخفاضه من 7.7% في الربع الرابع من 2023، وصولاً إلى 7% في نهاية 2024. هذا الانخفاض لم يكن عشوائياً، بل نتاج استراتيجيات مدروسة. فمعدل البطالة لإجمالي السكان (السعوديين وغير السعوديين) استقر عند 3.5% في الربع الأول من 2024، مما يضع المملكة في مصاف الدول ذات الأداء الاقتصادي المتميز. وللمقارنة، فإن معدل البطالة في الولايات المتحدة بلغ 4.1% في 2024 (وفق مكتب إحصاءات العمل الأمريكي)، بينما سجلت ألمانيا 3.4%. هكذا، تقف المملكة شامخةً في مواجهة العمالقة الاقتصادية.
ومن زاوية أخرى، نجد أن معدل البطالة بين الذكور السعوديين انخفض إلى 4.3% في الربع الرابع من 2024، بينما بلغت بين الإناث 11.9%. هذه الفجوة بين الجنسين، رغم تحسنها مقارنةً بـ 15.4% للإناث في 2022، تظل تحدياً يستدعي المزيد من الجهد لتمكين المرأة السعودية في سوق العمل.
كيف تحول هذا الحلم إلى واقع؟ الإجابة تكمن في نسيجٍ محكم من السياسات والمبادرات. برنامج التوطين، الذي قادته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، كان بمثابة سيفٍ يقطع أغلال البطالة. فقد تم توطين أكثر من 625 مهنة نوعية، واستفاد منه أكثر من 250 ألف سعودي وسعودية. وفي القطاع الخاص، ارتفع عدد العاملين السعوديين إلى 2.45 مليون موظف بحلول 2024، مقارنةً بـ 1.7 مليون في 2016، وفق إحصاءات التأمينات الاجتماعية.
ومن بين الأمثلة البراقة، مبادرة “العمل عن بعد” التي فتحت أبواب الفرص لمن هم خارج المدن الكبرى، وبرنامج “دروب” الذي قدم تدريباً لآلاف الشباب، ليصبحوا جاهزين لسوق العمل. هذه المبادرات لم تكن مجرد أدوات، بل كانت جسوراً تربط بين الطموح والإنجاز.
عندما ننظر إلى العالم، نجد أن المملكة ليست وحدها في معركتها ضد البطالة، لكنها تتميز بسرعة استجابتها. في الهند، حيث يتجاوز عدد السكان 1.4 مليار نسمة، بلغ معدل البطالة 7.8% في 2023 (وفق منظمة العمل الدولية)، لكن التحدي هناك يكمن في ضخامة القوى العاملة. أما في فرنسا، فبلغ المعدل 7.4% في 2024، لكن السياق الاجتماعي والاقتصادي مختلف. المملكة، بفضل الله تعالى ثم بفضل رؤيتها، استطاعت أن تحقق تقدماً ملحوظاً في وقت قياسي، متجاوزةً توقعات المراقبين الدوليين.
لكن، كما في كل قصة عظيمة، لا تخلو الرحلة من عقبات. فمعدل البطالة بين الشباب السعودي (15-24 سنة) لا يزال مرتفعاً نسبياً مقارنةً بالمتوسط العام، وهو ما يتطلب برامج تدريب وتأهيل أكثر تخصصاً. كما أن الاعتماد التاريخي على العمالة الوافدة، التي تشكل 75% من القوى العاملة في 2016، يتطلب تحولاً تدريجياً نحو التوطين الكامل دون المساس بالنمو الاقتصادي.
وفي خطوة تؤكد الطموح اللامحدود، أعلنت المملكة في نوفمبر 2024 عن هدف جديد: خفض معدل البطالة إلى 5% بحلول 2030، وفق تقارير “إرم بزنس”. هذا الهدف ليس مجرد رقم، بل هو دعوة للشباب ليكونوا وقود هذا التغيير، وللقطاع الخاص ليصبح شريكاً أكثر فاعلية. فالمملكة التي تجاوزت 100 مليون سائح في 2023، وحققت نمواً اقتصادياً بنسبة 8.7% في 2022، تملك كل المقومات لتحقيق هذا الحلم.
البطالة في المملكة لم تعد شبحاً يخيف، بل تحدياً تحول إلى فرصة. رؤية 2030 لم تكن مجرد وعد، بل كانت شعلة أضاءت دروب الشباب، وحولت أحلامهم إلى واقع ملموس. من 12.8% إلى 7% في أقل من عقد، هذه ليست مجرد أرقام، بل قصة شعب قرر أن يصنع مصيره بيده. ومع كل خطوة نحو المستقبل، تثبت المملكة أنها ليست فقط أرض النفط والتاريخ، بل أرض الطموح والإبداع، حيث الرمال تتحول إلى ذهب، والأحلام تصعد إلى النجوم.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال