الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
على المدى الطويل وبعبور السنوات عام بعد عام، يتأرجح الاقتصاد في أمواج لا تنتهي بين رخاء القمم وأنين الركود الطويل، كانت الفوضى سيدة المشهد في دول ما ونعيم في دول أخرى من العالم، لكن كيف شكل التأرجح على المدى الطويل وكيف هو اللقاء الأول سيكون بين الدول الناميـــــــة الوليدة وبين الدول المتطـــــــــــورة ذات العمر المديد في التطور والنهـــوض، عبر التاريخ حاولت العقول الماليـــــــــة دراسة كيف للدول أن تنمو، وكيف لها أن تستمر في النمــــــــــو، وهل يمكن لها أن تتقارب لتصبح على بُعد ضئيل بعدما كانـــــــا على تباعد تام!. جاء مالتوس بالنظرية الكلاسيكية التي تقول إن لا تقارب أبدًا وستنحصر الثروة في العالم على المدى البعيد للزيادة القوية في عدد السكـــــــــان المتوقع، بعد ذلك بقرنين من الزمن جاءت النظرية الكلاسيكية الجديدة والتي قالت بأن التقارب بين اقتصادات الدول سيكون واجبًا على المدى الطويل. وجاء بعد ذلك الاقتصادي الأمريكي بول رومر ورجل نوبل في الاقتصاد 2018م عكس ما جاءت به الكلاسيكية الجديدة، ليقول بأن لن يكون هناك تلاقي على الدوام بين هذه الدول، ليُفسد بذلك حلم اللقاء المُنتـــظر بينهما للأبد.
نظرية التقارب التي تؤمن بها المدرسة الكلاسيكية للنمو الاقتصادي تقول بأن الدول النامية التي يكون فيها دخل الفرد منخفض سوف يرتفع في المدى الطويل ليُقارب دخل الفرد في الدول المتطورة، فالدول النامية يكون لها نمو في الناتج الإجمالي أعلى مما هو عليه في الدول المتطورة، فهي تعتمد بشكل قوي على رأس المال البشري والمادي، حيث أن زيادة رأس المال في الاقتصاد النامي يزيد معه الناتج الإجمالي للفرد حتى يصل الى مرحلة يكون فيه هو والاقتصاد المتطور في نقطة واحدة متقاربة تُسمى ” حالة النمو الثابت ” والتي لا يتأثر فيها الاقتصاد بزيادة رأس المال، ولكن لابد من العمل على التكنولوجيا كمُدخل يعزز من النمو ويعتبر هذا هو الحل الوحيد المتوفر لزعزعة استقرار هذا الثبات في دخل الفرد والإنتاجية.
التقارب بين الدول النامية والمتطورة حسب النظرية الكلاسيكية الجديدة ينقسم الى ثلاثة أقسام، التقارب المُطلق وهو ينص على أن دخل الفرد أو إنتاجيته في الدول النامية سوف يرتفع ليتقارب مع ما هو عليه في الدول المتطورة على أي حال وبدون أي شرط وذلك بسبب مبدأ تناقص العوائد – زيادة رأس المال في المدى الطويل لن يؤثر على زيادة الإنتاجية والدخل للفرد – لذلك ستحقق البلدان ذات مخزون رأس المال الأولي المنخفض عوائد استثمار أعلى مقارنةً بالبلدان ذات مخزون رأس المال الأعلى، مما يؤدي إلى معدلات نمو أسرع وتقارب في مستويات الدخل بمرور الوقت. التقارب المشروط ينص على أن الدول النامية التي لها نفس نمو السكان والخصائص الهيكلية والتكنولوجيا والسياسات مع الدول المتطورة سوف تتقارب معها في المدى الطويل. تقارب النادي وهو القسم الأخير وينص على ان الدول التي لها نفس المؤسسات والتعليم والأجواء السياسية والاقتصادية سوف تتقارب مع بعض البعض – لنقول إن هناك مجموعة اقتصادية تضم كل من كندا والولايات المتحدة والمكسيك – سوف تعمل المكسيك وهي دولة نامية باللِحاق بالولايات المتحدة وكندا في المدى الطويل بسبب ترابطها في مجموعة تتشارك ببعض العوامل المهمة.
اليابان هي المثال الطاغي عندما يكون الحديث عن نظرية التقارب الاقتصادية، فاليابان كانت شبة مدمرة بالكامل ومنهكــــــــــة بعد الحرب العالمية الثانية والهجمات النووية، كان نصيب الفرد والناتج الإجمالي منخفض تمامًا، ولكن من عام 1960م – بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بربع قرن – بدأ الناتج الاجمالي الحقيقي لليابان بالنمو عام بعد عام ليلحق بالولايات المتحدة في مشهد يوضح كيف أن نظرية التقارب بالإمكان مشاهدتها في الواقع الاقتصادي مع توفر العوامل اللازمة مثل مستوى تعليمي وتكنولوجي جيد، تزايد في عدد السكان، فعالية الحوكمة للقطاعات العاملة في الاقتصاد، توفر التسجيل في حقوق الملكية الفكرية والمادية للأفراد والكيانات القانونية وغيرها، ولكن في الجانب الأخــــــــر من الحكاية وفي نفس الفترة بقى الناتج الإجمالي المحلي للهند لم يسجل اي ارتفاع على الاطلاق! ليزيد بذلك تعقيد تطبيق النظرية على الواقع.
الولايات المتحدة – 1986م – الاقتصادي رومــــــــــــر يأتي بنظرية ” النمو الداخلي للاقتصاد ” والتي تنص على انه ليس هناك تقارب بين الاقتصاد النامي والمتطور ولن يكون، حيث أن الأخيــــــر وبسبب الاكتفاء الخاص به من ناحية رأس المال البشري والمادي فأنه سوف يذهب الى الابتكار والتكنولوجيا للخروج من نقطة الثبات، وبالتالي أن الدول التي لديها القدرة على الحصول على هذه الموارد التكنولوجية – الولايات المتحدة على سبيل المثال – سوف تستمر في النمو المستدام ولا يمكن للدول النامية أن تلحق بها الا أذا لديها القدرة على الاستعانة بنفس التكنولوجيا المتوفرة هناك.
تذكر النظرية أيضًــا بأن الدعم الحكومي للبحث والتطوير أو التعليم يرفع من معدل النمو في بعض نموذج النمو الداخلي، وذلك من خلال زيادة الدافع على الابتكار. وتقول أيضًا أن ليس هناك ” حالة ثبات للنمو ” يمكن أن يعود لها الاقتصاد على المدى الطويل بل أن الدول التي تنمو بشكل مستمر سوف تُكمل في نموها بشكل متواصل أو قد تعود الى مستوى منخفض للغاية. على أي حال لابد على الدول الناميــــــــــــة أن تعمل على كسر تفسير نظريات الاقتصاد التي تختلف من نظرية الى أخرى بالعمل على الابتكار والتكنولوجيا وصياغة اقتصاد مستدام من جميع النواحي المالية والبشرية وحتى مستدام بالموارد الطبيعية، في حال فشلت في ذلك فلابد لها أن تعود لتفهم كيف لها أن تحقق ” الأماني ” وتتعانق بدول العالم الثالث الجديد.
اقتباس اقتصادي: ” إن ما يفصل البلدان النامية عن البلدان المتقدمة هو فجوة في المعرفة بقدر ما هو فجوة في الموارد” – جوزيف ستيجليتز
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال