الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عندما يجتمع صانعو السياسات العالميون في منتدى تنمية الصين 2025، فإن قضية رئيسية تتجاوز السرد التنموي التقليدي: “تنتقل الصين من محرك للنمو إلى مهندس للتمكين”. هذا التطور القائم على تبادل التقنيات ومنظومات الابتكار المفتوحة، يُعيد تعريف كيفية تسخير الاقتصادات الناشئة للثورة الصناعية الرابعة.
بناء مُشتركات الابتكار العالمية
إن الزيادة المستمرة في كثافة الاستثمار في البحث والتطوير في الصين تشكل حجر الزاوية في التمكين العلمي والتكنولوجي. وبحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء في الصين، بلغ إنفاق الصين على البحث والتطوير 3.6 تريليون يوان في عام 2024، وهو ما يمثل 2.68% من الناتج المحلي الإجمالي، متجاوزا متوسط الاتحاد الأوروبي (2.11%) ومقتربا من متوسط منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (2.73%). ويُظهر “تقرير الإنفاق على البحث والتطوير في الصين (2024)” الصادر عن جامعة داليان للتكنولوجيا أن نسبة استثمارات الشركات في البحث والتطوير قفزت من 50.37% في عام 2018 إلى 70.06% في عام 2024، مما يدل على قدرات الابتكار لدى كيانات السوق. ويتم تحويل هذه الاستثمارات إلى قيمة عالمية من خلال التعاون الدولي. على سبيل المثال، غطت مشاريع هواوي لتدريب المواهب في مجال تقنية المعلومات والاتصالات والذكاء الاصطناعي مع المملكة العربية السعودية آلاف المهندسين المحليين، كما ساهمت تقنياتها في الموانئ الذكية في تحسين كفاءة الخدمات اللوجستية بشكل كبير في السعودية.
التقنيات الخضراء كمعادل لعالمين جنوبيا وشماليا
تلتقي طموحات تحول الطاقة في الشرق الأوسط مع قدرات الصناعة الخضراء الصينية، بحيث توفر الصين 70% من الألواح الشمسية و60% من معدات طاقة الرياح العالمية. من يناير إلى ديسمبر 2024، صدرت الصين 820 مليون لوح شمسي، بزيادة 80% عن العام السابق، مع نمو صادراتها إلى الشرق الأوسط بنسبة 99%. يعد مشروع محطة الشعيبة السعودية نموذجا لهذا التعاون، إذ من المتوقع أن تنتج 282.2 مليار كيلوواط/ساعة خلال 35 عاما، مما يقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحوالي 245 مليون طن. كما وقّعت شركة CATL الصينية اتفاقية مع شركة أكوا باور السعودية لإنشاء مشروع لتخزين الطاقة بسعة 2 جيجاواط/8 جيجاوات ساعة، وهو ما سيوفر 10% من احتياجات مدينة نيوم للطاقة ويقلل 400 ألف طن من الانبعاثات الكربونية سنويا. يمثل إدخال الحلول الصينية للطاقة النظيفة على نطاق واسع إحدى الركائز الأساسية لتحقيق هدف السعودية المتمثل في “الحياد الكربوني بحلول 2060.
الطرق الحريرية الرقمية: إعادة كتابة قواعد التجارة
يعيد تطبيق التقنية الرقمية الصينية تشكيل النظام البيئي للأسواق الناشئة. من المتوقع أن يصل حجم سوق التجارة الإلكترونية السعودي إلى 49 مليار ريال بحلول عام 2025، حيث تلعب الحلول الرقمية الصينية دورا محوريا: تعاون “علي بابا” مع الخطوط الجوية السعودية لنقل أكثر من 50 ألف طن من بضائع التجارة الإلكترونية عبر مركز لييج اللوجستي إلى الرياض سنويا، وتمكن الشراكة بين “مجموعة آنت” والهيئة السعودية للسياحة 1.4 مليار مستهلك آسيوي من استخدام أدوات الدفع المحلية الخاصة بهم أثناء زيارتهم للسعودية عبر منصة “Alipay+”. فلا يتعلق الأمر بتكرار نموذج الصين، بل إنه تدوين “لغة رقمية فرانكا” للجنوب العالمي.
تطلعات في عام 2025: الابتكار المفتوح لتمكين المستقبل
بغض النظر عن التغيرات في البيئة الخارجية، ظلت تلتزم الصين بالانفتاح، وتوسع بشكل مطرد الانفتاح المؤسسي والذاتي. من خلال السعي بنشاط للانضمام إلى “اتفاقية شراكة الاقتصاد الرقمي” (DEPA)، تُظهر الصين استعدادها لمواءمة معاييرها التقنية مع القواعد العالمية. يتجلى هذا التحول في مشروع مدينة “نيوم” المستقبلية السعودية، حيث لم تعد الشركات الصينية مجرد مقاولين، بل شركاء في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والمدن الخالية من الكربون. صرح رئيس شركة “أرامكو” السعودية، أمين الناصر، مؤخرا أن تقنيات “DeepSeek” أحدثت تحولا كبيرا في تحسين كفاءة عمليات الشركة. كما يُشكل استثمار قسم رأس المال الاستثماري السعودي في شركة “Zhipu AI” الصينية خطوة استراتيجية تعكس تعميق التعاون في تمكين التقنية بشكل متبادل.
جوهر التمكين يُكمن في الابتكار المحلي المستدام. عندما تنتقل الصين من مجرد مصدر للتقنية إلى بناء القدرات المشتركة، يصبح التحدي الحقيقي هو كيفية تعزيز النظم البيئية للابتكار في الخارج. ربما تكون حكمة التعاون المفتوح هي المفتاح لمستقبل تنمية دول الجنوب العالمي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال