الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كلمته خلال مؤتمر “سيرا 2025” في مدينة “هيوستن” الأمريكية، حذر المهندس أمين الناصر – الرئيس التنفيذي لشركة أرامكو السعودية – من أن السياسات الحالية المعتمدة عالميا لتحول الطاقة تتسم باختلال هيكلي قد يقود إلى اضطرابات طويلة الأمد في أسواق الطاقة، وهذا التحذير لا يقرأ كاستباق نظري، بل كموقف مؤسس على معطيات مادية دقيقة تتعلق بتوزيع الاستثمارات، ومعطيات العرض والطلب، وقدرة البدائل المتجددة على تعويض الإقصاء المتسارع للوقود الأحفوري من السياسات العامة.
لابد من التنبه أولا إلى أن المشكلة المركزية لا تكمن في تبني الطاقة المتجددة، بل في تحويلها إلى خيار قسري في ظل بيئة تنظيمية تتجاهل الوقائع الاقتصادية، فبرغم التقدم التقني في مجالات مثل الطاقة الشمسية والرياح، لا تزال مساهمتها في مزيج الطاقة العالمي غير قادرة على تلبية نمو الطلب، لا سيما في ظل التوسع الصناعي والسكاني في الاقتصادات الناشئة مثل الصين والهند، وهذا الواقع يجعل أي خفض متعجل في استثمارات النفط والغاز محفوفا بمخاطر اختلال العرض، وارتفاع حاد في الأسعار، وتراجع في أمن الإمدادات.
وكمثال واقعي، نجد أن أزمة الطاقة الأوروبية – بسبب الحرب الروسية الأوكرانية – كانت نتيجة الانكشاف السريع على مصادر الطاقة البديلة، دون وجود بنى تحتية متماسكة أو مخزونات استراتيجية كافية، مما أدى إلى قفزات سعرية غير مسبوقة، وتعطل بعض القطاعات الصناعية، وتهديد مباشر لمستويات المعيشة، ورغم أن المؤسسات الدولية مثل وكالة الطاقة الدولية كانت سابقا في طليعة الداعين إلى الإسراع بالتحول، إلا أن خطابها الأخير بدأ يستبطن الاعتراف بأن خفض الاعتماد على الوقود الأحفوري قبل تأمين البدائل بمثابة سياسة لا تتسم بالمسؤولية الهيكلية.
لذلك، التحذير الصادر عن أرامكو في هذا الإطار، لا يمثل دفاعا عن نموذج تقليدي، بل يشير إلى مفارقة اقتصادية جوهرية بأن التحول نحو الاستدامة لا يمكن تمويله من خلال تقويض ما زال يشكل قاعدة التمويل نفسه، فمعظم أدوات الاستثمار الأخضر تعتمد على عوائد مباشرة أو غير مباشرة من أسواق الطاقة التقليدية، وإضعاف هذه القاعدة دون خطة تمويل انتقالية واقعية يعرض آليات التسعير والتمويل العالمي للاهتزاز.
كما أن ما حصل كان بسبب سياسات المناخ المعتمدة والمبنية على فرضيات غير محققة، مثل افتراض قدرة التقنية على الإحلال السريع، وقابلية الطلب للتعديل السلوكي، وقدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب تكلفة التحول خلال دورة زمنية قصيرة، وهذه الفرضيات تتجاهل تفاوت البنى الاقتصادية بين الدول، وتفترض نموذجا موحدا لا يراعي فجوة الموارد والتقنيات والقدرات التفاوضية، خصوصا في الجزء الجنوبي من العالم.
وبينما تواجه الشركات الكبرى في القطاع ضغوطا إعلامية وسياسية لإعادة توجيه استثماراتها، تشير بيانات السوق إلى أن الطلب على الطاقة سيستمر في الارتفاع خلال العقدين المقبلين، مع مساهمة تقليدية لا يمكن تعويضها دون اضطراب هيكلي، وعليه، فإن الدعوة إلى نهج متوازن التي أطلقتها أرامكو لا تمثل مراوغة خطابية، بل تعبيرا حقيقيا عن رؤية مالية واقتصادية واقعية لمعادلة استقرار الطاقة.
كلمة المهندس أمين الناصر جاءت لتؤكد أن تحول الطاقة لا ينبغي أن يدار كتسارع كيفي نحو استبعاد الوقود الأحفوري، بل كعملية تحول زمني مبرمج، قائمة على موازنة دقيقة بين الكلفة الاقتصادية والجدوى التقنية، وأي مسار غير قائم على هذا التوازن معرض لإنتاج اضطرابات تضخمية، واختلالات في التمويل العام، وهشاشة في سلاسل الإمداد، وعليه فإن تحذير أرامكو – من موقعها كمورد رئيسي وممول رئيسي للتحول ذاته – يجب أن يقرأ كنداء لإعادة ضبط النماذج السائدة لا كدفاع عن الماضي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال