الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في كتابه”الشركة في القرن الحادي والعشرين”، أحد الكتب المدرجة في القائمة المختصرة لصحيفة ” فايننشال تايمز” لعام 2024، يستخدم الخبير الاقتصادي جون كاي شركة أبل كمثال للشركات الرائدة التي تجسد نموذج الشركة الحديثة في القرن الحادي والعشرين. تعتمد أبل بشكل متزايد على الاستعانة بمصادر خارجية لتنفيذ العمليات المرتبطة برأس المال المالي أو المادي. على سبيل المثال، تتولى مصانع في الصين والهند إنتاج جميع منتجات أبل، بينما تُباع هذه المنتجات في متاجر مملوكة لأطراف خارجية.
ومن أبرز القضايا التي يتناولها الكتاب مفهوم “الشركة المُفرغة”، مثل شركة أبل، حيث يوضح كاي كيف أن شركات مثل أبل تعتمد بشكل متزايد على الاستعانة بمصادر خارجية لتولي المهام التي تتطلب رأس مال وعمليات تشغيلية، مما يُتيح لها التركيز على الكفاءات الأساسية مثل ابتكار المنتجات، وإدارة العلامة التجارية، إلى جانب ذلك، يبرز الكتاب أهمية القيادة الذكية والتفكير الاستراتيجي في نجاح الشركات العصرية. وفي ظل هذا التشكل تقع على عاتق القادة مسؤولية السير في بيئة الأعمال المعقدة، مع إلهام فريق العمل والشركاء لاكتساب ثقة العملاء.
كما يتطرق كاي إلى تغيير النظرة التقليدية للشركات من كونها تعتمد بشكل كبير على الأصول المادية والمالية إلى إبراز قيمة رأس المال البشري. فموظفو الشركة بأفكارهم وقدرتهم على حل المشكلات وإبداعهم يُسهمون بشكل جوهري في تحقيق الابتكار والنجاح. يُضاف إلى ذلك، يُسلط الكتاب الضوء على أهمية بناء الثقة مع العملاء والحفاظ عليها، حيث تكون هذه الثقة ميزة تنافسية رئيسية تسهم في نجاح الشركة على المدى الطويل من خلال إقامة علاقات قوية ومستدامة مع العملاء. في سياق العصر سريع التغير، يؤكد الكتاب على أهمية قدرة الشركات على التكيف مع البيئات المتغيرة. يبين كاي ضرورة أن تكون الشركات مرنة ومستجيبة للتطورات التكنولوجية وتحولات السوق والمجتمع.
أما على صعيد المسؤولية الاجتماعية، يتناول الكتاب الحاجة المتزايدة لأن تتبنى الشركات ممارسات أخلاقية ومسؤولة اجتماعيًا، مشددًا على ضرورة إيجاد توازن بين السعي لتحقيق الأرباح والالتزام بالتأثير الاجتماعي الإيجابي. وفي السياق نفسه، يستعرض الكتاب كيف تتطور هياكل الحوكمة المؤسسية لتلبية متطلبات العصر الحديث، مع التأكيد على أهمية المساءلة والشفافية والمواءمة مع مصالح جميع أصحاب المصلحة. عبر استعراض هذه الموضوعات والمفاهيم، يقدم جون كاي رؤية تحليلية للتحولات الجذرية التي يشهدها قطاع الأعمال، مع تقديم رؤى واستراتيجيات تساعد الشركات على الازدهار ومواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين بنجاح.
هذه المقدمة المختصرة والمستقاة من كتاب أحد رواد الاقتصاد والأعمال في عالمنا اليوم ليست لقولبة صورة نمطية محددة وسابقة التصور لشكل وحالة شركات المستقبل في ذهن القارئ الكريم ، بل هي محاولة لتوسيع رؤيتنا لسُنة التغيير والنمو والتشكل المتتابعة عبر العصور لأي تجمع إنساني. فحالة التطور والترقي لأي مجموعة بشرية تعتمد على الحاجة الاقتصادية والأمنية، وكمية وعمق المعرفة، وسلوكيات الإنسان، وتغيرات البيئة المحيطة بها، وهي حالة معقدة من الصعب التنبوء بها بدقة. هذه المتغيرات تشكل وستظل تشكل نماذج الشركات في القرن الحادي والعشرين، ومن خلال فهم دينامياتها، يمكننا تحديد التطوير المطلوب والمتزامن معها لسياسات وآليات ونماذج وممارسات الحوكمة المستقبلية، التي تتكيف معها وتضبطها وتعمل على خدمة أصحاب المصلحة في شركات المستقبل .
في ظل تزايد الوعي العالمي بالتحديات البيئية والاجتماعية، أصبحت الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية محورًا رئيسيًا في استراتيجيات حوكمة الشركات. لم تعد الأرباح المالية هي الهدف الوحيد، بل بات من الضروري أن تضع الشركات في اعتبارها تأثير قراراتها على البيئة والمجتمعات التي تعمل فيها. مع تشديد الحكومات على مكافحة الممارسات الضارة، يتوقع أن تتعزز هذه الاتجاهات بشكل أكبر في السنوات المقبلة.
الشفافية لم تعد خيارًا، بل أصبحت ضرورة حتمية لبناء الثقة مع الجمهور. الشركات مطالبة الآن بالإفصاح الكامل عن ممارساتها، بدءًا من سياسات التعويضات التنفيذية وحتى إجراءاتها البيئية. هذا الوضوح ليس فقط وسيلة للامتثال للقوانين، بل هو أيضًا عامل حاسم في تعزيز السمعة وكسب ولاء العملاء.
تلعب التكنولوجيا دورًا محوريًا في تعزيز الحوكمة الرشيدة، حيث تعتمد الشركات على الحلول الرقمية لإدارة المخاطر وتحليل البيانات وضمان الامتثال. مع تطور الذكاء الاصطناعي والتحليلات المتقدمة، ستزداد قدرة الشركات على اتخاذ قرارات أكثر استنارة وفعالية. كما مكنت التكنولوجيا المساهمين وأصحاب المصلحة من مراقبة أداء الشركات بشكل أفضل، مما يعزز المساءلة والشفافية.
أما التنوع والشمول والعالمية، فقد أصبحا من الركائز الأساسية لتعزيز الابتكار والتميز. الشركات التي تعتمد على فرق عمل متنوعة وحضور دولي تحقق مستويات أعلى من الإبداع، مما ينعكس إيجابًا على نموها ونجاحها.
في الختام، من الواضح أن حوكمة الشركات تتجه نحو تبني مبادئ الاستدامة والمسؤولية الاجتماعية كجزء لا يتجزأ من استراتيجياتها، مع تعزيز الشفافية والمساءلة، وتسخير التقنية الرقمية، والتحول إلى رأس المال المعرفي، والعولمة. هذه التحولات الحوكمية المطلوبة مع تطور شكل الشركات مستقبلًا، ليست مجرد استجابة للضغوط الخارجية، بل هي خطوات استباقية لضمان بقاء الشركات قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية وبناء مستقبل أكثر استقرارًا وازدهارًا.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال