الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
برزت مؤخراً مفاهيم جديدة، مثل: “الحوكمة البيئية والمجتمعية” أو “الاستدامة البيئية”، والتي تهدف إلى الحد من الآثار السلبية لأنشطة الشركات على البيئة والمجتمع. هذه المفاهيم لم تعد مجرد خيارات ثانوية، بل أصبحت ضرورة استراتيجية تفرض نفسها على الشركات، ويُتوقع منها دمج هذه المبادئ في استراتيجياتها وممارساتها التجارية. خاصة وأن هذه المسألة باتت تلفت أنظار المستثمرين عند تقييم فرص الاستثمار. ويتجلى ذلك في عمليات الاندماج والاستحواذ، حيث أصبح إجراء الفحص الدقيق (العناية الواجبة) حول الحوكمة البيئية والمجتمعية (ESGDD) جزءاً لا يتجزأ منها.
في هذا الصدد، لم تغفل هيئة السوق المالية السعودية عن هذه التوجهات العالمية، حيث قامت بدورها في تشجيع الشركات على تبني مبادئ الحوكمة البيئية والمجتمعية، وحثتها على إصدار تقارير سنوية في هذا الشأن. ومع ذلك، فقد اتبعت الهيئة نهجاً مرناً يعكس المثل الشعبي “أشير ولا ألزم”، فلم تفرض – بعد – على الشركات إصدار تقارير في هذا الشأن.
وبالنظر إلى واقع الشركات المدرجة في السوق السعودي، نلاحظ محدودية الاستجابة لهذا النداء، فقليل منها أتين طائعين. ففي معظم القطاعات، نجد شركة واحدة إلى ثلاث فقط أصدرت تقاريرها في الاستدامة البيئية والمجتمعية. على سبيل المثال، في قطاعي الأسمنت والصحة، برزت شركتا أسمنت المدينة والعربية، وشركتا الحبيب ورعاية (على التوالي). بينما في قطاع المواد الأساسية، أظهرت شركة مبكو التزاماً مبكراً بإصدار ثلاثة تقارير من 2020 إلى 2022، ثم توقفت، في حين استمرت شركة المتقدمة بإصدار تقاريرها من 2021 إلى 2023. وكان أول إصدار “لشركة سابك للمغذيات” في 2023. وفي قطاع التطوير العقاري، نجد ثلاث شركات التزمت بهذا: رتال، والأندلس، والمراكز العربية، غير أن الأخيرة أصدرته مرة واحدة في 2022 ثم توقفت.
أما في قطاع الطاقة، فقد برزت شركتا أديس والدريس، بينما تفوقت شركة بوان في قطاع السلع الرأسمالية بإصدار تقاريرها من 2021 إلى 2023، ولا تليها في القطاع سوى شركة “كابلات الرياض” بتقرير واحد في 2023. وفي قطاع الخدمات التجارية والمهنية، كانت شركة مهارة للموارد البشرية الوحيدة التي أصدرت تقريرين في 2022 و2023. في مقابل ذلك، قطاعات: النقل، والأدوية، والمرافق العامة، لم نجد شركة واحدة لبّت النداء.
لا شك أن إصدار هذه التقارير يمثل عبئاً إضافياً على الشركات، بيدَ أنه يضفي قيمة كبيرة عليها. ففي عمليات الاستحواذ، أصبحت الفحوصات المتعلقة بالالتزام بالحوكمة البيئية والمجتمعية (ESGDD) جزءاً أساسياً من عملية الفحص القانوني النافي للجهالة. وهذا يتطلب خبرة قانونية متخصصة، حيث ترتبط معظم المخاطر البيئية والمجتمعية بقوانين البيئة والسلامة المهنية والعمل.
ختاماً، يُلاحظ أن معظم الشركات بدأت في إصدار تقاريرها في الحوكمة البيئية والمجتمعية في عامي 2022 و2023، مما يؤكد حداثة عهد الشركات بهذا النوع من التقارير، ويعكس في الوقت نفسه إدراكها أهمية ذلك. والمتوقع أن نشهد في العام الحالي إصدار شركات أخرى تقاريرها حول ذلك. والخطوات الأولية التي نشاهدها تنبئ عن بداية واعدة لتوجه استراتيجي لا مفر منه في عالم الأعمال الحديث.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال