الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لمطالعة إصدر (مال): الرياضة.. رافد جديد للاقتصاد أضغط هنا
حين تشرفت بتلقي دعوة من صحيفة (مال) لكتابة مقال عن اقتصاديات الرياضة أصابتني الحيرة في اختيار الموضوع المناسب لكتابة مقال يتيم لجمهور جديد، فقررت بعد تفكير طويل الكتابة عن أهم خمسة مصادر لدخل الأندية الرياضية، فكان هذا المقال الذي أتمنى أن ينال رضاكم ويرتقي لذائقتكم.
1- النقل التلفزيوني
تؤكد الدول المتقدمة رياضيًا أن عوائد بيع حقوق البث التلفزيوني تمثل مصدر الدخل الأول للرياضة والرياضيين، ولعل النموذج الأفضل في مجال كرة القدم هو ما بدأته رابطة دوري المحترفين الإنجليزية “بريميرليغ” عام 1992 بتسويق أول حزمات حقوق البث التلفزيوني لمدة ثلاثة مواسم على شبكة “سكاي”، فكانت انطلاقة تاريخية لعمل تسويقي نموذجي يمثل أفضل التجارب، حيث تقوم الرابطة بتسويق الدوري فقط وتترك للاتحاد تسويق مباريات الكؤوس ومباريات المنتخب التي يملك الاتحاد حقوقها، كما أنهم يقومون بتقسيم مباريات الدوري إلى سبع حزم تطرح مستقلة لتتنافس عليها الشركات الراغبة، وفي الغالب تتوزع تلك الحزم بين شركتين أو ثلاث بشكل يضاعف قيمة الحقوق ويرفع درجة التنافس على الإتقان.
لتأتي أهم أبجديات التسويق بتحديد مدة العقد التي تتراوح بين ثلاثة مواسم كما في “بريميرليغ” أو تمتد لأربعة أو خمسة على الأكثر في بقية دوريات العالم، فتتزايد قيمة العقد الجديد ويتم تعديل الشروط والامتيازات ومواكبة المستجدات في التقنية وغيرها، مثلما حدث في العقد الأخير بإدخال تقنية البث عن طريق “برودباند” فدفعت شركة الاتصالات البريطانية (BT) مليار باوند، كما أن من أساسيات التسويق الاحترافي التبكير بطرح كراسة الشروط التي تتنافس عليها الشبكات المعنية، حيث ينهي القائمون على ملف بث “بريميرليغ” حقوق العقد القادم قبل موسم ونصف من نهاية العقد الحالي لرفع جودة المنافسة.
“ليس علينا إعادة اختراع العجلة”، فالتجارب الناجحة موجودة أمامنا والقائمين عليها على أتم الاستعداد للتعاون والعمل معنا لتطوير رياضتنا إذا رغبنا بذلك، المسألة تحتاج إلى قرار رشيد يضع الأمور في نصابها الصحيح ويساهم في نقل المعرفة من أفضل مسوقي حقوق البث بالعالم، حينها سيدار أهم مصادر الدخل المالي للأندية باحترافية عالية من حيث توصيف كراسة الشروط وموعد طرح المنافسة ونوعية الإنتاج ومواصفات البث وغيرها من التفاصيل الدقيقة التي تضمن لنا أفضل ممارسات “النقل التلفزيوني”.
2- الرعاية
يعد الرعاة “Sponsors” من أهم مصادر الدخل للأندية حيث تتمحور الفكرة حول فتح نافذة لجميع الشركات التي تبحث عن إبراز علامتها التجارية من ناحية ودعم شباب الوطن من ناحية أخرى، حيث تمثل رعاية الأندية فرصة يندر مثيلها لخدمة الوطن وشبابه وإشهار اسم الراعي في جميع وسائل الإعلام التي تغطي المسابقات الرياضية، وحين تشاهد الملاعب والصالات والشاشات ووسائل التواصل وقد امتلأت بأسماء العلامات التجارية بما يحقق مكاسب للرعاة والأندية على حد سواء.
ولنجاح فكرة “الرعايات” ينبغي على النادي تقسيم حزم الرعاية إلى فئات تتنافس عليها الشركات من ذات الفئة كالسيارات والبنوك والملابس الرياضية وغيرها، فقد لاحظ الاتحاد الآسيوي في زياراته عام 2007 أن أبرز السلبيات التي رصدها لتقييم الأداء التسويقي للأندية السعودية ومدى تطبيقها لشروط الرخصة الآسيوية هو اعتماد الأندية على راع واحد وغياب التخطيط الاستراتيجي الذي يجنب النادي أزمات محتملة في حال الخلاف مع الراعي، ففي الأندية اليابانية يوجد أكثر من 50 راع للنادي الواحد، تتراوح بين مبالغ مالية ضخمة مقابل ظهور شعار الشركة على قميص النادي، وبين تقديم خدمات أو أجهزة للنادي تكفل وجود شعار الشركة بصور متفاوتة في مقر النادي ومطبوعاته وموقعه على الإنترنت، وبذلك يضمن النادي مصادر متعددة للدخل وخدمات وتجهيزات مجانية تخفف العبء على ميزانية النادي، وقد بدأت بعض الأندية السعودية في تنويع رعاتها والقادم أفضل بإذن الله.
لنتوقف أخيراً عند علاقة النادي بالراعي المرتبطة بتفعيل بنود العقد أو ما يسمى “Activation”، فتعاون إدارة ونجوم النادي يحقق النجاح ويضمن تزايد العائدات، فقد حدثني مسؤولون في “stc” أن التعامل مع “مانشستر يونايتد وريال مدريد ويوفنتوس” أسهل وأكثر تعاوناً من الأندية السعودية، كما يؤكد مسؤول من “موبايلي” أن النجم “كرستيانو رونالدو” أكثر التزاماً بحقوق الراعي من نجومنا، وقد استمتعت بمحاضرة قيمة قدمها مدير الاستثمار في “مانشستر يونايتد” العريق، والذي أثرى معلوماتي المتواضعة بالجديد والمفيد في عالم الاستثمار في رعاية النادي، حيث تحدث عن الاحترافية التي تمكن من خلالها النادي أن يجعل علامته التجارية تحتل المرتبة السادسة على مستوى العالم من حيث المشاهدة والارتباط متخطية علامات تجارية عالمية مثل “كوكاكولا، رولكس، يوتيوب”، مع التأكيد على أن جماهير النادي حول العالم تجاوزت 700 مليون مشجع، محتلاً الصدارة بفارق كبير عن أقرب منافسيه، مع التركيز في المحاضرة على كيفية التعاون المثمر بين الراعي والنادي، من خلال شراكة استراتيجية تضمن علاقة طويلة الأمد تحقق مكاسب للطرفين تحفز على رفع قيمة الاستثمارات في المستقبل، مع ضرورة فتح آفاق جديدة لاستثمارات ورعايات متنوعة تدعم خزينة النادي وترفع من قيمة سلة الرعايات التي تمثل أحد أهم مصادر الدخل للأندية العالمية.
3- يوم المباراة
من حضر مباراة كرة قدم في الملاعب الأوروبية يعلم كيف تعاظم الأندية مكاسبها من خلال تشجيع المشجع على الإنفاق، فيبدأ بشراء التذكرة وفي محيط الملعب تتناثر العربات التي تبيع الأكل ومجلة برنامج المباراة والشالات والقبعات التي تحمل شعار الفريقين وغيرها من المنتجات التي تجبرك على الصرف، فالدخل المتحقق في يوم المباراة يمثل أهم الموارد المالية للنادي، منها ما هو ثابت مثل التذاكر الموسمية وايجار المحلات ومواقف عربات البيع، ومنها ما هو متغير مثل مبيعات تذاكر المباراة وغيرها من المنتجات التي تعتمد على عدد الحضور الجماهيري وقوتهم الشرائية، علما بأن الأندية الكبيرة في أوروبا تحقق دخلاً شبه ثابت لأنها تبيع كامل التذاكر في جميع المباريات، ولذلك يمكنها بداية الموسم تحديد ميزانيتها وتقدير الدخل الموسمي من “يوم المباراة”.
4- ملعب النادي
لا يكتمل الحديث عن “يوم المباراة” إلا بتسليط الضوء على الملعب الذي سيحتضنها، والحقيقة التي لا تحتاج إلى شواهد هي أن صناعة كرة القدم لا يمكن أن تكتمل عناصرها دون أن يكون للنادي ملعبه الخاص الذي يديره ويجعله أيقونة استثماراته، فالأندية الرائدة في عالم الاستثمار الرياضي في الدوريات الخمسة الأوروبية الكبرى تبني استراتيجياتها التسويقية على تنظيم عوائد “ملعب النادي”.
فالحديث عن ملاعب الأندية ينقلني لأفضل التجارب العالمية والإقليمية على حد سواء، ففي إنجلترا مهد كرة القدم تملك الأندية ملاعبها التاريخية قبل أن تولد اتحاداتنا وأنديتنا، وبعض تلك الأندية قامت بتجديد ملاعبها مثل “مانشستر يونايتد وليفربول” بينما أندية أخرى اشترت الملاعب التي بنتها المدينة لبطولات وانتفت الحاجة منها بانتهاء تلك البطولات مثل “وستهام ومانشستر سيتي” وتجرأت أخرى على بناء ملاعب جديدة مثل “ارسنال وتوتنهام هوتسبر” التي أعتبرها المثال الأفضل لتطبيق الاستثمار من خلال “ملعب النادي”.
وفي إسبانيا وفرنسا قصص مشابهة للأندية الإنجليزية من حيث الملاعب التي تمثل مزيجاً بين القديمة المجددة والجديدة المميزة، بينما استفادت الأندية الألمانية من ملاعب كأس العالم 2006 التي رفعت من مستوى الحضور الجماهيري في الدوري الألماني ليصبح الأعلى على مستوى العالم، ولتحقيق أكبر العوائد من “يوم المباراة” يفترض أن يكون للنادي ملعبه الخاص الذي يصممه وفق احتياجاته ويقوم بتطويره بين فترة وأخرى، ولعل المتابع للأندية العالمية يعلم أنها تزيد من الطاقة الاستيعابية لملاعبها بحسب إقبال الجماهير على الحضور ثم بعد عقود من الزمان تجد أن الحل المثالي في هدم الملعب وإعادة بناءه أو بناء ملعب جديد في موقع آخر، وقد احتفل “ريال مدريد” بملعبه الجديد في حين يقوم “برشلونة” ببناء ملعب جديد سيتسع لأكثر من مائة ألف مشجع، وربما تحصل أنديتنا الكبيرة على ملاعبها الخاصة بعد كأس العالم 2034، مما سيشكل نقلة نوعية في عوائد تلك الأندية.
وإن كان لي الخيار في تسليط الضوء على أفضل التجارب على مستوى العالم فإنني سأميل إلى تجربة “يوفنتوس” الذي ترك ملاعب الدولة التي تحتضن مباريات كرة القدم ومنافسات ألعاب القوى وبادر ببناء ملعبه الخاص المخصص لإقامة مباريات كرة القدم فقط (بدون مضمار)، بل زاد على ذلك بأن يكون أول فريق يمتلك قرية كاملة تحيط بالملعب ومركز التدريبات وتشتمل على مستشفى وفنادق وأسواق ومرافق أخرى، لتكون مصدر الدخل الأول للنادي فتزيد من قدراته المالية وتعزز تفوقه الإيطالي لينافس كبار أوروبا في التعاقدات والاستقرار المالي من خلال عائدات “ملعب النادي”.
وعلى صعيد الخليج تحتضن دولة الإمارات ملعبين رائعين لكل منهما ميزاته العديدة التي يمكن دمجها في الملعب المثالي الذي يجمع بين مواصفات استاد “محمد بن زايد” لنادي “الجزيرة” واستاد “هزاع بن زايد” لنادي “العين”، فالأول يتميز بالطاقة الاستيعابية 42 ألف متفرج وبرجين للاستثمار أحدهما فندق والآخر مكاتب، والثاني يتميز بجمال البناء واتساع المنصة وعدد مقاعدها وإحاطته بمقاهي وأسواق، والأمل كبير بأن تدرس الأندية حاجتها بدقة فلا تبالغ في عدد المقاعد فيبقى غالبيتها فارغاً ومكلفاً في تشغيله وصيانته فيتحول لما يسمى “الفيل الأبيض” وتفشل معه فكرة “ملعب النادي” .
كما أنقل لكم فكرة رائدة من أفضل ملاعب العالم وأعرقها اسماً وأعني بذلك “ويمبلي”، حيث يحوي قاعات كبيرة وفخمة تحت المدرجات يمكن تأجيرها على مدار العام للشركات والأفراد لإقامة مناسباتهم الخاصة من خلال ما يسمى “كلوب ويمبلي” الذي سيحقق للاتحاد عوائد تبلغ 400 مليون جنيه أسترليني خلال عشر سنوات، وكأنه بذلك استعاد أكثر من نصف تكلفة بناء الملعب، ناهيك عن العوائد الأخرى كاستضافة مباراتين في العام لكرة القدم الأمريكية وعدد من الحفلات الكبرى.
أكرر بأننا لسنا بحاجة إلى “إعادة اختراع العجلة” فخطة العمل جاهزة ومجربة وناجحة وليس أمامنا سوى الاستعانة بأفضل الخبرات لنقل المعرفة وتطبيقها، فقد تم توقيع العديد من مذكرات التفاهم مع الاتحادات والأندية الأوروبية يمكن تفعيلها للحصول على أفضل الحلول لبناء أفضل الملاعب لأنديتنا، ويقيني أن هذا الحلم إذا تحقق على أرض الواقع سيكون أفضل استثمار يضمن الاستقرار والتطوّر والنماء في المستقبل.
5- ملابس الفريق
عشاق كرة القدم الأوروبية يتابعون أنديتهم المفضلة ويشترون قمصانها كل موسم، وكثيرون منهم يطبعون عليها أرقام النجوم واسماءهم لأنها تمثل أهم رموز الانتماء والولاء للنادي، والمشجع يهتم كثيراً بكل شيء له علاقة بذلك القميص من حيث اللون والتصميم، بل إن أهم مزايا المعسكرات الصيفية هي أن الجماهير تتعرف على استعداد الفريق للموسم القادم وأطقمه الجديدة.
قبل العام 2008 كانت الأندية السعودية في الغالب تلعب بالطقم الأساسي معظم المباريات ولا تضطر للعب بألوان مختلفة إلا إذا لعبت أمام فريق بنفس ألوان طقمها الأساسي، فالهلال مثلاً كان يلعب جميع مبارياته بالطقم الأزرق إلا إذا لعب أمام النهضة في الدمام فيلعب بالطقم الأبيض لأن الطقم الأساسي للنهضة هو السماوي، والنصر يلعب دوما الطقم الأصفر ولا يغيره إلا إذا لعب أمام التعاون في بريدة لنفس السبب، مع تأسيس رابطة دوري المحترفين السعودي SPL كان الاستثمار الاحترافي أهم الأهداف فكان تغيير فكر تعامل الأندية مع ملابسها نقطة تحوّل كبيرة في التسويق الرياضي، فقد تعاونت الأندية مع الرابطة في إطلاق مشروع الأطقم الثلاثة، فكانت تقيم حفل تدشين الأطقم قبل بداية الموسم لتقدم الأندية أطقمها للإعلام والجماهير، قد كانت البداية صعبة في إقناع الأندية التي يخشى بعضها تسرب التصميم فيتلقفه المقلدون أو الأندية التي لم تقتنع بفكرة الأطقم الثلاثة التي تعتبر حجر الزاوية في مشروع الاستثمار بملابس الفريق.
الفكرة المطبقة في الأندية الأوروبية وجود ثلاثة أطقم لكل فريق، الطقم الأول يسمى “Home Kit” وهو الطقم الرئيس بألوان النادي الأساسية ويلعب به جميع مبارياته على ملعبه، أما الطقم الثاني يسمى “Away Kit” وفي الأندية المتمسكة بالفكر القديم يكون عكس ألوان النادي الرئيسية ويلعب به الفريق أغلب مبارياته خارج أرضه، ثم يأتي الطقم الثالث المسمى ببساطة “Third Kit” ويلعب به الفريق مبارياته الخارجية أمام الفرق التي تتشابه ألوانها الرئيسية مع طقم النادي الثاني، وبعض الأندية تستخدم الطقم الثالث كطقم ثاني للبطولات القارية، ولعل من أهم عوائد الاستثمار في هذا المجال طباعة أسماء وأرقام النجوم على تلك القمصان في متجر النادي.
كما تحرص الأندية على اختيار ألوان الأطقم الثاني والثالث بعيداً عن الألوان التقليدية للنادي، حيث الشباب يبحث عن القميص الذي يمكن أن يرتديه في السفر والطلعات الشبابية للأماكن العامة، لذا أصبح من الطبيعي أن تشاهد الكثير من الشباب يلبسون الملابس الرياضية للأندية السعودية بعد أن كانوا يختارون ويفتخرون بقمصان أندية أوروبية شهيرة.
والحديث عن الملابس كمصدر دخل يستلزم التطرق للإعلان على القميص، فالأندية المحترفة الكبرى تكتفي بإعلان واحد على الصدر وآخر على أحد الأكتاف حيث يكون شعار البطولة على الكتف الآخر، ولكن بعض الأندية خلال بحثها عن المزيد من المال تبيع العديد من المساحات الإعلانية على القميص فيتحول إلى لوحة إعلانات مشوهة، بل ان بعضها يضع الإعلانات على الشورت والجوارب، ورأيت في البرازيل أغرب إعلان تحت أبط اللاعب لا يظهر إلا إذا رفع اللاعب يده، وفي السعودية يمتلئ قميص النادي بالرعاة في المسابقات المحلية بينما يظهر جميلاً بشعار راعي واحد في دوري أبطال آسيا.
كانت هذه أهم مصادر دخل النادي وليس علينا أن نعيد اختراع العجلة، ولكن يكفينا تطبيق أفضل التجارب العالمية للارتقاء بالرياضة السعودية، ويقيني أننا على هذا الطريق سائرون وفق رؤية 2030 التي صممها رائد النهضة ولي العهد حفظه الله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال