الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت وزارة التعليم ممثلةً بوكالة التعليم لتنمية قدرات الطلاب بالشراكة مع «موهبة» عن اكتشاف أكثر من 29 ألف موهوب سعودي هذا العام، ولم يكن ذلك مجرد إضافة رقمية إلى السجلات السنوية، بل كان إيذانًا بأن المملكة أصبحت اليوم تقف على ثروة حقيقية من المواهب القادرة على نقل الاقتصاد من عصر الاعتماد على النفط إلى عصر الريادة المعرفية والابتكار.
هذه العقول ليست مجرد تفوق أكاديمي ودراسي، بل بذور لمشاريع وطنية واعدة، وابتكارات علمية يمكن أن تضع السعودية في مقدمة الدول الرائدة في الاقتصاد المعرفي، ومع هذا الاكتشاف يرتفع إجمالي عدد الموهوبين المكتشفين منذ انطلاق البرنامج إلى (244,317) طالبًا وطالبة، بينهم 2,045 طالبًا وطالبة ضمن فئة الموهبة الاستثنائية، و27,088 موهوبًا، و37,479 طالبًا واعدًا بالموهبة.
ورغم أن هذه الأرقام تعكس قفزة نوعية في رصد ورعاية المواهب، إلا أن التحدي الحقيقي لا يكمن في اكتشاف الموهوبين فحسب، بل في تمكينهم وتوجيههم ليكونوا الركيزة الأساسية لاقتصاد وطني تنافسي يتجاوز الاعتماد على الموارد التقليدية، بحيث نحول هذا الزخم المعرفي إلى قوة اقتصادية دافعة تضع المملكة في قلب المنافسة العالمية.
لم تعد الدول الكبرى تكتفي باكتشاف الموهوبين فقط، بل وضعت خططًا استراتيجية لدمجهم بشكل فعّال في اقتصاداتها الوطنية، فألمانيا مثلًا، ووفقًا لتقرير صدر عام 2023 عن مؤسسة ماكنزي، تسعى لدمج 780 ألف خبير تقني في سوق العمل بحلول عام 2026، عبر برامج تعاون بين الحكومة والقطاع الخاص من خلال عقد شراكات استراتيجية ونوعية لاحتضان الموهوبين وربطهم مباشرة بقطاعات الاقتصاد المعرفي، والتجارب الدولية تؤكد أن اكتشاف الموهبة وحده ليس كافيًا، وأن السر الحقيقي يكمن في طريقة احتضانها، وتوظيفها، وتحويلها إلى قوة إنتاجية دافعة.
في الولايات المتحدة الأمريكية، تم ضخ نحو 182 مليار دولار في الاستثمارات المرتبطة بالابتكار وتطوير المواهب في عام 2023، تأكيدًا على أن الاقتصاد القادم هو اقتصاد العقول.
هذه التجارب وغيرها العديد مما لا يسع المجال بذكره، تؤكد أن اكتشاف الموهبة ليس سوى الخطوة الأولى، بينما يمكن التحدي الحقيقي في بناء بيئة اقتصادية تدعمها وتستثمر فيها، وهنا يأتي دور إطلاق برامج وطنية متخصصة وأكاديميات ومعاهد لاستثمار الموهوبين بحيث يتم ربطهم مباشرة بقطاعات الاقتصاد الجديدة ذات الحاجة للوطن، سواءً في قطاعات الذكاء الاصطناعي، أو التكنولوجيا المالية، أو الطاقة المتجددة، أو الهندسة الحيوية، أو غيرها من المجالات الواعدة.
العالم يتنافس اليوم في سباقٍ محموم نحو استثمار العقول، فالصين على سبيل المثال، أنشأت أكثر من 4000 حاضنة ابتكار في عام (2023) فقط! إدراكًا منها أن المستقبل يُصنع بقدرة عقول أبنائها، ولتُرسّخ بذلك حقيقة لا جدال فيها: العقول هي الثروة الحقيقية، والمستقبل لمن يُحسن استثمارها.
الجهود التي تبذلها وكالة التعليم لتنمية قدرات الطلاب بالتعاون مع «موهبة»، ليست مقتصرة على اكتشاف المواهب، بل امتدت لتشمل إنشاء أكاديميات متخصصة فريدة من نوعها مثل الأكاديميات التقنية والرياضية وأكاديميات الذكاء الاصطناعي، والتي نُفذت بالشراكة مع مؤسسات وطنية رائدة مثل وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، ووزارة الرياضة، هذه الأكاديميات الوطنية المتخصصة ليست مجرد مراكز تدريب وتأهيل للطلاب الموهوبين، بل نأمل أن تتحول إلى منصات شراكة حقيقية مع أبرز الجامعات والمعاهد التقنية الرائدة عالميًا، إن فتح المجال للتفاعل المباشر مع هذه المؤسسات الدولية سيمنح الموهوبين فرصة لتجارب عملية استثنائية، وسيمكّنهم من نقل خبرات عالمية إلى الاقتصاد الوطني، وتحويل ابتكاراتهم إلى منتجات ومشروعات تنافس عالميًا، ما يجعل الأكاديميات الوطنية منصات عالمية تصنع فارقًا حقيقيًا في اقتصاد المملكة.
التفوق لا يُقاس فقط بقدرتنا على اكتشاف الموهوبين، بل بما نفعله بهذه العقول وكيف نوجهها لتصبح ركيزة أساسية في مسيرة التنمية والتقدم الاقتصادي، فالموهبة وحدها لا تكفي إن لم تتحول إلى قيمة مضافة تُسهم في دفع عجلة الإنتاج وتعزيز الابتكار، ومن هنا، يجب أن يكون الاستثمار في العقول جزءًا أصيلًا من التخطيط الاستراتيجي، بحيث يتم إعداد الموهوبين وتأهيلهم وفق احتياجات سوق العمل المستقبلية وربطهم بالقطاعات الحيوية والصناعات المتقدمة.
واليوم، لم يعد التفوق مرهونًا بامتلاك الموارد الطبيعية وحدها، بل أصبح مرتبطًا بقدرة الدول على استثمار العقول وتحويل المعرفة إلى منتجات وحلول إبداعية تواكب التحولات العالمية، فنحن أمام فرصة تاريخية لتسخير هذه المواهب والقدرات، ليس فقط لصناعة اقتصاد قوي ومتين، بل لتأسيس جيل واعد يقود المشاريع الريادية، ويصنع الفرق على مستوى المنافسة العالمية في الابتكار والتكنولوجيا.
وبفضل الله ثم برؤية قيادتنا الرشيدة أيدها الله تمضي المملكة بخطى ثابتة لتكون في مقدمة الدول التي ترسم ملامح المستقبل، ليس اعتمادًا على الموارد الطبيعية وحدها، بل بالاستثمار في الإنسان كأغلى ثرواتها وأكثرها استدامة، فاليوم، لم تعد تراهن على النفط أو الثروات التقليدية، بل على عقول أبنائها، التي تمثل القوة الدافعة لصناعة نموذج ريادي عالمي، يرتكز على الابتكار، ويتخذ التفوق هدفًا، ويكتب المستقبل بإنجازات يحققها شباب الوطن بطموح لا يعرف الحدود.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال