الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في مجال الاقتصاد يوجد فئتان رئيسيتان تُعرفان بالحقن والتسرب. فالحقن يشير إلى زيادة الإنفاق في النظام الاقتصادي، بينما التسرب يعكس خروج الأموال منه. لفهم هذه المفاهيم بشكل أوضح، يمكن اعتبار الإنفاق الحكومي، والاستثمارات، والإنفاق الاستهلاكي والصادرات كحقن تدعم الاقتصاد، حيث تضيف قيمة وتساعد على دفع نمو الناتج المحلي الإجمالي.
في المقابل، يمثل التسرب مجموعة من العناصر مثل: الادخار، والضرائب، والواردات. وفي هذه المقالة سأستعرض واردات المملكة العربية السعودية، ولكن لنبدأ أولاً بمراجعة الرسم البياني الذي يوضح تطور قيمة الواردات من عام 2016 حتى عام 2024.
يوضح الرسم البياني السابق مسار تطور قيمة الواردات في المملكة العربية السعودية خلال الفترة ما بين 2016 و2024. ومن خلال هذه البيانات، يتبين لنا أن الواردات السعودية شهدت اتجاهاً متصاعداً، حيث بلغت في عام 2016 حوالي 525.6 مليار ريال، في حين يُتوقع أن تصل إلى نحو 858.9 مليار ريال في نهاية عام 2024، مما يعكس نسبة نمو تقدر بحوالي 63% خلال فترة الرؤية. كما يُتنبأ بأن تتخطى الواردات حاجز التريليون ريال في عامي 2025 أو 2026.
وتشكل الواردات الاستهلاكية حوالي 35%، بينما تمثل الواردات الوسيطة نحو 46%، وتصل نسبة الواردات الرأسمالية إلى حوالي 19%. وتعتبر الواردات المصنعة الأكثر قيمة، تليها الواردات نصف المصنعة، ثم تأتي الواردات الخام.
ويتبادر إلى الذهن سؤال حول أسباب عدم تأسيس هيئة عامة مخصصة لتوطين الواردات وتكون مهمتها الرئيسية هي تحقيق توطين نحو 50% من قيمة الواردات داخل المملكة بحلول عام 2030.
لقد تمعنت في تفاصيل الواردات في السعودية، وتبين لي أن العديد من المنتجات المستوردة قابلة للتوطين والتصنيع داخل المملكة. إذا استمر هذا التصاعد في الواردات، فمن المتوقع أن تصل القيمة الإجمالية إلى نحو تريليوني ريال بعد سنوات قليلة، وهو ما سيترك أثره في ميزان المدفوعات في المستقبل.
إن بند الواردات يُعتبر نوعاً من التسرب الذي يؤثر في الاقتصاد. لذا أرى أنه من الضروري أن يبادر المسؤولون بإنشاء هيئة متخصصة تعنى بملف الواردات، على أن تكون مهمتها الرئيسة هي تحقيق توطين لا يقل عن 50% من قيمة الواردات في السعودية. هذه الخطوة ستساهم دون ريب في تعزيز الاقتصاد غير النفطي، وزيادة مساهمة القطاع الخاص إلى 65% بحلول عام 2030، مما سيساهم بدوره في نمو الناتج المحلي الإجمالي.
تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء وجود نحو 21 صنفًا من الواردات تتنوع بين منتجات اللحوم والمعادن والآلات والمواد الغذائية وغيرها من السلع التي يمكن أن تُصنع وتُوطّن داخل المملكة العربية السعودية. إن تحويل هذه المنتجات من صناعات خارجية إلى تصنيع محلي سيعزز من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني، ويفتح آفاقًا جديدة للتصدير إلى الأسواق العالمية بعد تحقيق الاكتفاء الذاتي.
فكرة توطين الواردات ليست مجرد حلم بعيد المنال، بل تتطلب رؤية واضحة واستراتيجية شاملة تجمع بين جهود القطاعين العام والخاص. إنني آمل أن يتوجه المسؤولون لدراسة هذه الفكرة، فالعوائد ستكون مبهرة، وستنعش الحركة الاقتصادية في المملكة، كما ستساهم في تقليص نسب البطالة. وعلى المدى المتوسط والبعيد ستعزز هذه الاستراتيجية من نمو الصادرات غير النفطية، مما يسهم في بناء اقتصاد متنوع ومستدام.
نسأل الله أن يديم الخير والبركة على هذه البلاد ودمتم بحفظ الله ورعايته.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال