الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
أعلنت أرامكو السعودية أنها تتوقع إعلان إجمالي توزيعات أرباح بقيمة 85.4 مليار دولار في عام 2025، بانخفاض عن 124.2 مليار دولار موزعة في عام 2024. ويأتي هذا الانخفاض بعد انخفاض صافي الدخل بنسبة %12، من 121.3 مليار دولار في عام 2023 إلى 106.2 مليار دولار في عام 2024، بما أن متوسط أسعار النفط كان متقارب جدا بين عامي 2023 و 2024، لذلك يرجع تراجع توزيعات أرباح أرامكو في المقام الأول الى تراجع متوسط حجم الإنتاج من 9.6 مليون برميل يوميا في عام 2023 إلى نحو 8.9 مليون برميل يوميا في عام 2024.
عند مستويات انتاج حالية عند نحو 9 مليون برميل يوميا، مازال هناك نحو 3 مليون برميل يوميا اضافية تستطيع السعودية إنتاجها، مما سوف يُساعد الاقتصاد السعودي لأن صادرات النفط لازالت مصدرًا رئيسيًا للإيرادات، حيث أن المملكة هي أكبر مُصدّر للنفط في العالم ونفطها يتميز بأنه نفط تحميل أساسي Base Load Crude تتجه الناقلات العالمية العملاقة لتحميله وليس نفط تحميل جزئي لناقلات النفط Co-Load، زيادة إنتاج النفط يؤدي إلى زيادة حجم الصادرات، مما يُعزّز الدخل الوطني ويدعم ميزانية الحكومة التي تعتمد بشكل كبير على إيرادات النفط حتى وإن تنويع الاقتصاد بعيدًا عن النفط أمرًا بالغ الأهمية للنمو المستدام في السعودية، ولكن تعزيز الإيرادات من شأنه تعزيز دعم المشاريع الاستثمارية الكبرى.
هل قيود انتاج أوبك هي السبب الرئيسي لانخفاض توزيعات ارباح أرامكو؟
القول بأن قيود الإنتاج التي تفرضها “منظمة أوبك” هي السبب الرئيسي لانخفاض توزيعات ارباح أرامكو ربما تبسيط مفرط لواقع اقتصادي واستراتيجي معقد. صحيح أن السعودية تمتلك أكبر طاقة إنتاجية احتياطية للنفط بين أعضاء أوبك، لكن الادعاء بأن السعودية يجب أن تزيد إنتاجها إلى الحد الأقصى على حساب استراتيجية أوبك الأوسع ربما يتجاهل اعتبارات اقتصادية وجيوسياسية واستراتيجية طويلة المدى لأن استراتيجية السعودية النفطية هي رؤية استراتيجية طويلة المدى تتجاوز حصص سقف انتاج أوبك.
التأثير الحقيقي لمستويات الإنتاج وليس لمستويات الأسعار
من المفترض أن يرجع خفض توزيعات ارباح أرامكو إلى عاملين رئيسيين: انخفاض أسعار النفط وانخفاض الإنتاج. لكن السبب الأكبر في تراجع الإيرادات مؤخرا بمقارنة مستويات الأسعار في عام 2023 وعام 2024 ليس سعر النفط نفسه لأن متوسط الأسعار كانت متقاربة جدا بين عامي 2023 و 2024 ولكن مستويات الإنتاج كانت أقل بنحو 600 الف برميل يوميا، وهذا يُعتبر أكبر من إنتاج بعض أعضاء منظمة أوبك.
هناك جدلية بأنه إذا زادت السعودية إنتاجها بشكل أحادي، فسيؤدي ذلك إلى ضغط هبوطي على الأسعار، مما قد يُلغي أي مكاسب في الإيرادات من زيادة الإنتاج. بعبارة أخرى، زيادة الإنتاج لا تعني بالضرورة زيادة الدخل، بل قد تعني بيع المزيد من البراميل بأسعار أقل، مما يقلل من الربحية الإجمالية. هذه الجدلية قد تأتي متسقة في حال قيود إنتاج باقي أعضاء أوبك ولكن ليست القيود الكبيرة على نحو 3 مليون برميل يوميا، زيادة إنتاج المملكة للإنتاج قد يكون مربح حتى في حالة البيع بأقل من أسعار السوق!
بالرغم من أن سوق النفط العالمي يُعتبر حساسًا للغاية تجاه توازن العرض والطلب، لطالما كان قوة نفود “منظمة أوبك” ممتدة ومرتبطة بقوة نفوذ المملكة العربية السعودية، ولطالما لعبت السعودية الدور الابرز داخل السوق النفطية وتحملت وحدها اعباء ذلك، حيث تعدّل إنتاجها لتحقيق استقرار السوق وتوازن العرض والطلب، في الجهة المقابلة هاهي الولايات المتحدة الأمريكية تسعى جاهدة إلى زيادة إنتاجها دون أي قيود إلى 16 مليون برميل يوميا وسوف تُغرق السوق إذا نجحت في زيادة البنية التحتية لمرافق التصدير لمواكبة هذه الزيادة في الإنتاج.
مصالح السعودية طويلة الأجل تتجاوز الإيرادات الفورية
لايزال إلقاء اللوم على “منظمة أوبك” في انخفاض توزيعات ارباح أرامكو هو طرح جدلي محل نقاش، وربما يكون أيضا مضلل يتجاهل الصورة الاقتصادية والاستراتيجية الأوسع. فاستقرار الأسعار والتخطيط بعيد المدى أكثر أهمية من زيادة الإنتاج بشكل غير محسوب. علاوة على ذلك، فإن هيكل توزيعات أرامكو مُصمّم لتحقيق توازن بين المدفوعات قصيرة الأجل والصحة المالية طويلة الأجل. ويجب النظر إلى خفض التوزيعات المرتبطة بالأداء على أنه جزء من استراتيجية مالية حكيمة، تضمن استمرار الشركة في الاستثمار في مجالات النمو مثل قطاع التكرير والبتروكيماويات والطاقة المتجددة. هذه الاستثمارات ستجعل أرامكو أكثر قدرة على مواجهة التحولات المستقبلية في الطلب العالمي على الطاقة.
النهج المتوازن هو المسار الأفضل
إن قيادة السعودية في “منظمة أوبك” تمنحها نفوذًا قويًا في سياسات النفط العالمية، مما يمكنها من تحقيق توازن بين استقرار السوق والمصلحة الوطنية. لذا، فإن الخيار الصحيح ليس التخلي عن “منظمة أوبك” أو السعي وراء المكاسب قصيرة الأجل، بل الاستمرار في تنفيذ استراتيجية مدروسة تحافظ على استقرار اسواق النفط العالمية، وتدعم الاستدامة المالية، وتدفع عجلة التنويع الاقتصادي في المملكة.
ربما تكون فكرة أن السعودية يجب أن تتجاهل حصص سقف انتاج “منظمة أوبك” وتتصرف وفقًا لمصالحها قصيرة المدى يتغافل عن التحول الاقتصادي الأوسع الذي تنفذه المملكة. تهدف رؤية السعودية 2030، وهي خطة طموحة للتنويع الاقتصادي، إلى تقليل الاعتماد على النفط وبناء اقتصاد أكثر استدامة. لذا، فإن زيادة الإنتاج على حساب استقرار الأسعار ستتعارض مع هذه الاستراتيجية.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال