الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
قصة بئر رومة في المدينة المنورة تعود إلى أكثر من 1400 عام، عندما قام ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بشرائها بعد أن سمع حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “من يشتري بئر رومة وله الجنة”. جعل عثمان رضي الله عنه البئر وقفاً عاماً ليستفيد منها الجميع دون مقابل، ولا تزال البئر تُستخدم حتى يومنا هذا. عُرف عثمان بكرمه وحبه للإنفاق في سبيل الله، ولا يزال أجره مستمراً منذ استشهاده رضي الله عنه حتى الآن. وما المساهمة العينية المسجلة باسم وقف سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه في سجل مؤسسي شركة جبل عمر إلا دليل على بركة العطاء الذي قدمه.
عُرِضت مسألة أول وقف في الإسلام بآراء مختلفة بين المؤرخين والباحثين. تتنوع الآراء بين مسجد قُباء، والمسجد النبوي، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم لحوائط مخيريق، ووقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لبساتينه في خيبر. خلال صدر الإسلام وعهد الخلفاء الراشدين، تنافس الصحابة في إنشاء الأوقاف. ازدهر الوقف في البداية في المدينة المنورة، وتنوعت تطبيقاته مع تطور العمران ووسائل الحياة. بدأت تطبيقات الوقف ببناء المساجد ووقف المزارع والآبار والمنازل وبعض المعدات كالدروع، تماشياً مع احتياجات ذلك العصر. مع مرور القرون، تطورت الأوقاف وشملت المدارس والمكتبات التي خرجت من أروقة المساجد وأصبحت مستقلة عنها. ظهرت أيضاً الأربطة والتكايا والزوايا وأوقاف الجهاد وصيانة الثغور وحفظها، والمستشفيات الطبية والسكن والإيواء والسقاية، وشملت حتى الطيور والحيوانات، مقدمة خدمات إغاثية وحضارية متنوعة للناس على اختلاف مستوياتهم.
تعد الأوقاف من أهم مصادر التنمية وتنوع الدخل لأي مجتمع إذا ما تمت إدارتها بطرق صحيحة، وتولى إدارتها متخصصون في الاستثمار والإدارة المالية يعملون على تنميتها واستثمار أصولها في تحقيق أعلى العوائد الممكنة بتوازن مع مصارفها المحددة. وقد صدرت الموافقة الملكية الكريمة عام 1437هـ على نظام الهيئة العامة للأوقاف، بحيث تهدف الهيئة العامة للأوقاف إلى تنظيم الأوقاف، والمحافظة عليها، وتطويرها، وتنميتها بما يتماشى مع شروط واقفيها، ويعزز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التكافل الاجتماعي، وفقاً لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة المتبعة. تتمثل مهام الهيئة في تعزيز دور الأوقاف كمحرك للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم التكافل الاجتماعي، والإشراف الرقابي على أعمال الإدارة باتخاذ الإجراءات النظامية لتحقيق أهداف الوقف دون الانخراط في التفاصيل التنفيذية. كما تشمل المهام الموافقة على طلبات إنشاء الأوقاف العامة والمشتركة التي تُموَّل عن طريق جمع التبرعات، والإشراف على الأوقاف العامة والخاصة والمشتركة، إلا إذا اشترط الواقف أن يتولى الإدارة شخص أو جهة غير الهيئة.
تتضمن مهام الهيئة أيضاً تسجيل جميع الأوقاف في المملكة، وإدارة الأوقاف التي يكون لها ناظر غير الهيئة بناءً على طلب من الواقف ، واتخاذ الإجراءات للاستفادة من الأموال الموقوفة الثابتة والمنقولة خارج المملكة لأغراض بِرّ داخل المملكة. كما تهدف الهيئة إلى حصر الأموال الموقوفة وبناء قاعدة معلومات عامة عنها، بالإضافة إلى تطوير العمل الوقفي الحالي وإيجاد صيغ وقفية جديدة. تؤدي الهيئة دوراً في صرف عوائد الأوقاف على الأغراض الموقوفة من أجلها، فضلاً عن إقامة المشروعات الوقفية لتطوير وتنمية الأوقاف والمحافظة عليها. ومن خلال هذه الأعمال، تساهم الهيئة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة. كما نظمت لوائح الهيئة بشكل مفصل دور مديري الوقف الذي يصب في أهداف الأوقاف بشكلٍ عام والوقف المشرف عليه بشكل خاص.
ونصت لوائح الهيئة أنه يجب على الناظر صرف عوائد الوقف وفق المصارف والمواعيد المحددة في وثيقة الوقف، وفي حال عدم تحديد موعد الصرف، يتم الصرف خلال ثلاثة أشهر من نهاية السنة المالية. كما يجب توثيق عمليات الصرف، وإذا تم الصرف عبر جهة اعتبارية، فيجب أن تكون مرخصة وفق الأنظمة. إذا لم يُحدد الواقف مستفيداً معيناً أو كان الشرط عاماً لأعمال البر، على الناظر صرف العوائد بما يتوافق مع قصد الواقف ويعزز التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مع الرجوع للجهة المختصة لتحديد القصد. على المدير إدارة الوقف بمهارة وعناية، وإعداد لوائح وسياسات لإدارة العوائد واستثمارها، ومراجعتها دورياً، خاصة للأوقاف الكبيرة والمتوسطة. كما يجب وضع ضوابط رقابية لحماية أموال الوقف واستغلالها بأفضل المعايير. ويجب أن يتمتع العاملون في الوقف بالكفاءة والأمانة، وحضور برامج تدريبية متعلقة بالأوقاف ومكافحة غسل الأموال. وعلى الناظر إنشاء حسابات بنكية للوقف، وتسجيل التعاملات المالية بالعربية، وحفظ الوثائق بشكل منتظم. كما يجب إعداد موازنة تقديرية وقوائم مالية مدققة للأوقاف الكبيرة والمتوسطة، وإعداد بيان مالي سنوي للواردات والمصروفات للأوقاف الصغيرة. ويجب أن يكون استثمار الوقف متوافقاً مع الشريعة الإسلامية والأنظمة المحلية، مع مراعاة الحد المقبول للمخاطر وضمان عائد مجدٍ. كما يجب عمارة العقار الموقوف لتنمية العوائد، وبذل العناية اللازمة لضمان استدامة الوقف وفق شرط الواقف.
ختاماً لا تزال ممارسات أعمال الأوقاف في بدايتها، وتحتاج لمزيد من التنظيم والتوجيه والدعم بالدراسات والإشراف، وتطبيق أفضل نماذج الممارسات العالمية من حيث التنظيم والإدارة والاستثمار المتنوع عقاريا وصناعيا وزراعيا وخدميا، والنمو والنظرة الاقتصادية الشاملة، ومزيد من الأبحاث الفقهية، خصوصاً فيما يتعلق بالمستجدات والمصالح المعتبرة والمصالح المرسلة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال