الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تحتاج المشاريع الاقتصادية الكبيرة، مثل محطات الطاقة والمطارات والطرق السريعة ومشاريع البنية التحتية، إلى رؤوس أموال ضخمة، قد لا تستطيع شركة واحدة أو جهة حكومية بمفردها توفيرها. لذلك ظهر أسلوب “تمويل المشاريع” (Project Finance) كحل عملي وفعّال لتمويل هذه المشاريع، وأصبح شائعًا في العالم كله، بما في ذلك منطقتنا العربية.
ويُقصد بتمويل المشاريع أسلوب تمويلي خاص يعتمد على تأسيس شركة مستقلة تمامًا عن الجهات المؤسسة للمشروع، تُسمى “شركة ذات غرض خاص” (Special Purpose Vehicle). هذه الشركة الجديدة تكون مسؤولة بالكامل عن تنفيذ المشروع وإدارته وتشغيله وسداد القروض التي حصلت عليها. وتأتي الأموال التي تُستخدم لسداد هذه القروض من إيرادات المشروع نفسه بعد تشغيله وليس من ميزانيات الشركات أو الحكومات المؤسسة له.
ولتوضيح الفكرة بشكل أبسط: إذا قررت مجموعة شركات إنشاء محطة ضخمة لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية باستخدام أسلوب “تمويل المشاريع”، فإنها تؤسس شركة جديدة خاصة بهذا المشروع فقط. بعد ذلك، تساهم هذه الشركات بجزء من رأس المال المطلوب (مثلًا 20% أو 30%)، بينما تحصل الشركة الجديدة على الجزء الأكبر من التمويل (70% أو 80%) من البنوك والمؤسسات المالية على شكل قروض طويلة الأجل. وعندما يبدأ المشروع بالعمل وإنتاج الكهرباء وبيعها، تُستخدم الإيرادات الناتجة عن بيع الكهرباء لسداد القروض والفوائد وتوزيع الأرباح على المستثمرين.
ويفضل المستثمرون والبنوك والحكومات هذا الأسلوب التمويلي لعدة أسباب مهمة؛ أولها أنه يسمح بتوزيع المخاطر بين جميع الأطراف المشاركة في المشروع، بحيث يتحمل كل طرف المخاطر التي يستطيع إدارتها بشكل أفضل. كما أن هذا الأسلوب يحافظ على الوضع المالي للشركات الراعية للمشروع؛ لأن الديون والقروض لا تظهر مباشرةً في ميزانياتها العامة، مما يساعدها على الحفاظ على قوتها المالية وتصنيفها الائتماني الجيد. بالإضافة إلى ذلك، فإن وجود شركة مستقلة للمشروع يجعل الأمور المالية والإدارية واضحة وشفافة لجميع الأطراف المشاركة.
لكن رغم هذه المزايا المهمة، فإن أسلوب تمويل المشاريع يواجه بعض التحديات والصعوبات. أهم هذه التحديات هو التعقيد القانوني والإداري الذي يصاحب تأسيس الشركة الخاصة بالمشروع وإعداد العقود اللازمة بين جميع الأطراف. كما أن تكاليف تأسيس الشركة الجديدة وإعداد الدراسات المالية والقانونية قد تكون مرتفعة نسبيًا. ومن ناحية أخرى، يعتمد نجاح المشروع بشكل كبير على دقة توقعات الإيرادات المستقبلية؛ فإذا كانت التوقعات غير دقيقة أو مبالغًا فيها قد يتعثر المشروع في سداد ديونه والتزاماته المالية.
وقد شهد العالم أمثلة ناجحة كثيرة لمشاريع كبرى تم تمويلها بأسلوب “تمويل المشاريع”. ومن أشهر هذه الأمثلة مشروع “نفق المانش” الذي يربط بين بريطانيا وفرنسا تحت البحر، والذي تم تنفيذه عبر شركة مستقلة حصلت على قروض ضخمة من بنوك عالمية وتم سداد هذه القروض لاحقًا من إيرادات استخدام النفق نفسه. وفي منطقتنا العربية هناك أمثلة ناجحة أيضًا مثل مشروع مترو دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي تم تمويله عبر شراكة بين القطاعين العام والخاص باستخدام أسلوب تمويل المشاريع. وكذلك مشروع محطة الشقيق لتحلية المياه وتوليد الكهرباء في المملكة العربية السعودية الذي اعتمد على هذا الأسلوب بمشاركة بنوك محلية وعالمية.
وفي الوقت الحالي، تشهد المنطقة العربية اهتمامًا متزايدًا بأسلوب “تمويل المشاريع”، خصوصًا مع توجه الحكومات لتنفيذ مشاريع ضخمة في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والنقل والسياحة والترفيه. كما أن الاهتمام العالمي المتزايد بالاستدامة والطاقة النظيفة يدفع المستثمرين والبنوك إلى دعم وتمويل مشاريع المنطقة التي تحقق أهداف التنمية المستدامة وتساهم في بناء مستقبل اقتصادي أفضل.
في الختام، يمكن القول إن أسلوب “تمويل المشاريع” أصبح اليوم خيارًا استراتيجيًا مهمًا لتنفيذ المشاريع الاقتصادية الكبرى حول العالم وفي منطقتنا تحديدًا؛ إذ يوفر آلية فعالة لتوزيع المخاطر وتوفير التمويل اللازم دون تحميل الجهات الراعية أعباء مالية مباشرة. ومع استمرار النمو الاقتصادي وزيادة الحاجة إلى مشاريع البنية التحتية والطاقة المستدامة في المنطقة ، يُتوقع أن يشهد هذا الأسلوب التمويلي مزيدًا من الانتشار والاعتماد خلال السنوات القادمة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال