الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في ظل التحول الرقمي المتسارع الذي يشهده العالم، والذي دفع بالعديد من الدول والمنظمات حول العالم إلى استثمار مبالغ كبيرة في مشاريع التحول الرقمي، إلا أن الواقع يكشف عن فشل عدد غير قليل من المبادرات التقنية في تحقيق أهدافها المرجوة. وحسب تقديرات صادرة عن شركة ماكنزي الاستشارية عام 2018، فإن أقل من 30٪ من مشاريع التحول الرقمي تنجح عالميًا. ويعود أحد أسباب ذلك إلى غياب أو ضعف ما يُعرف بحوكمة تقنية المعلومات. وتُعرّف منظمة جارتنر للأبحاث، حوكمة تقنية المعلومات بأنها “العمليات التي تضمن الاستخدام الفعّال والكفء لتقنية المعلومات في تمكين المنظمة من تحقيق أهدافها”.
وفي المملكة العربية السعودية، أصبحت التقنية ركيزة أساسية في تحقيق رؤية المملكة 2030، حيث دفعت هذه الرؤية العديد من الجهات في القطاعات الحكومية والخاصة وغير الربحية إلى استثمار مبالغ ضخمة في البنية التحتية التقنية، بهدف تحسين جودة الخدمات المقدمة للمستفيدين. ومع هذا الدعم الكبير من قبل القيادة الحكيمة – حفظها الله – الذي تحظى به جميع الجهات، إلا أن الإدارات العليا في المنظمات يقع على عاتقها تبنّي ممارسات موثوقة لتجنّب فشل المبادرات التقنية وهدر المال العام. ولذلك، حَددت مجموعة من الممارسات التي تمثل خلاصة التجارب العالمية الناجحة في حوكمة تقنية المعلومات، والتي قد تسهم – بمشيئة الله – في رفع احتمالية نجاح المبادرات التقنية داخل المنظمات.
الحوكمة تبدأ بالمواءمة
الخطوة الأولى نحو النجاح هي في مواءمة الاستراتيجية التقنية مع استراتيجية الأعمال. إذ أن كل منظمة تضع عادة ما يُعرف باستراتيجية الأعمال، التي تحدد التوجهات المستقبلية وتُعتمد غالبًا من قبل مجلس الإدارة. ولكن في بعض الجهات، يعمل فريق تقنية المعلومات على إعداد استراتيجية تقنية بمعزل عن هذه الاستراتيجية، مما يؤدي إلى فجوة تؤثر بشكل سلبي على النتائج. وعليه، لا بد من بناء الاستراتيجية التقنية على أسس متوائمة مع الأهداف الكلية للمنظمة لضمان كفاءة استخدام الموارد وتحقيق الاستدامة.
إدارة التغيير ركيزة أساسية في النجاح
أي مبادرة تقنية تؤثر بطبيعتها على نمط العمل، وهو ما يتطلب تغييرات هيكلية وتنظيمية قد تُقابل أحيانًا بمقاومة من بعض الموظفين، خاصة أولئك غير المتقبّلين للتغيير. لذلك، ينبغي على مسؤولي تقنية المعلومات وضع خطة واضحة لإدارة التغيير، تأخذ في الاعتبار الثقافة الداخلية للمنظمة وسلوك الموظفين. كما أن إشراك القيادات من مختلف القطاعات في مراحل مبكرة يسهم في تخفيف حدة المقاومة وكسب دعمهم.
الشفافية والتواصل خلال مراحل التحول
في أوقات التحول، تزداد الإشاعات بسبب قلة المعلومات أو ضعف التواصل الداخلي. ما قد يؤدي إلى مخاوف بين الموظفين، مثل القلق من فقدان الوظائف. لذلك، فإن الشفافية في اتخاذ القرارات، إلى جانب التواصل المستمر بين قيادات الأعمال والقيادة التقنية وبقية الموظفين، تُعدّ من العوامل الأساسية لبناء الثقة، وهو ما يسهم بشكل مباشر في نجاح المبادرات داخل المنظمة.
الهيكلة المؤسسية: حجر الأساس في التنفيذ
من غير المرجح لأي مبادرة رقمية أن تنجح دون المرور على الهيكلة المؤسسية، التي تضمن التوافق مع الاستراتيجية العامة للمنظمة، والامتثال للمتطلبات التنظيمية مثل الأمن السيبراني الصادرة من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وحماية البيانات الشخصية من قبل مكتب إدارة البيانات الوطنية التابع للهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا). وتشمل الهيكلة المؤسسية أربعة أبعاد: هيكل الأعمال، وهيكل التطبيقات، وهيكل البيانات، وهيكل البنية التحتية. ويمكن للمنظمات الاستفادة من أطر محلية مثل المنهجية الوطنية للبنية المؤسسية (NORA) الصادرة من هيئة الحكومة الرقمية، أوإطار عالمي مثل TOGAF في هذا المجال. كما أن نجاح الاستفادة من التقنيات الناشئة، مثل الذكاء الاصطناعي، مرهون بشكل كبير في جاهزية المنظمة من حيث هيكلة البيانات.
دعم الإدارة العليا ضروري للنجاح
أي مبادرة تقنية أوغيرها تحتاج إلى دعم صريح من الإدارة العليا، يتجلى في التفويض، وتوفير الميزانية، والمتابعة المستمرة. وغياب هذا الدعم قد يؤدي إلى فشل المبادرات وخسائر على المستويين المالي والسمعة.
السياسات التقنية ليست مستقلة
عند صياغة السياسات التقنية، يُلاحظ أن بعض الجهات التقنية تعمل على إعدادها بشكل مستقل، دون التنسيق مع باقي قطاعات المنظمة. وهذا النهج يُضعف من فرص التبني والامتثال. والحل يكمن في إشراك القطاعات التشغيلية التقنية منها وغير التقنية، ومراجعة السياسات بما يضمن انسجامها مع التوجه العام للمنظمة وأفضل الممارسات الدولية.
حوكمة الأصول التقنية أساس إدارة المخاطر
إحدى المقولات الشهيرة لخبير الإدارة بيتر دراكر هي: “ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته”. ولذلك، فإن أولى خطوات الحوكمة تكمن في حصر الأصول التقنية، وتحديد ملاكها، من أجل ربط كل أصل بمسؤول مباشر عن المخاطر والامتثال، ما ينعكس بشكل إيجابي على ثقة العملاء في الخدمات التقنية وسمعة المنظمة.
لا مشاريع بدون مبررات واضحة
من المبادئ الأساسية في إدارة المبادرات ألا تُطلق أي مبادرة، سواء تقنية أو غيرها، دون وجود مبررات واضحة أو دراسة جدوى. وفي المبادرات التقنية، يجب على فريقي الهيكلة المؤسسية والاستراتيجية دراسة أي مبادرة بشكل جيد، لضمان جدواها في تحقيق أهداف المنظمة ولتحقيق الكفاءة في استخدام الموارد.
تبنّي الأطر العالمية كمبدأ
بدلًا من ابتكار إطار حوكمة داخلي خاص، يمكن للمنظمات البدء بتبنّي أطر عالمية معروفة ومجربة كخط أساس، مثل COBIT من منظمة ISACA العالمية أوالمعيار الدولي ISO/IEC 38500، مع تكييفها تدريجيًا حسب احتياجات المنظمة. هذا النهج يعزز ثقة الإدارة العليا في الإطار ويضمن دعمه.
في الختام
التحول الرقمي ليس مجرد تحديث أنظمة، بل هو تحول في طريقة التفكير وأساليب الإدارة. وتطبيق الأدوات التقنية دون حوكمة فعّالة يزيد بشكل كبير من مخاطر فشل المبادرات. فنجاح المبادرات الرقمية لا يعتمد فقط على الاستثمار في التقنيات، بل على فكر مؤسسي شامل يتضمن المواءمة الاستراتيجية، وإدارة التغيير، وبناء الهياكل المناسبة، والتواصل المستمر وتبني الأطر الموثوقة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال