الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ أن قدم العالم الأمريكي بنجامين فرانكلين مفهوم تقديم الساعة في الصيف عام 1784 ظلت هذه الفكرة مثار جدل بين المؤيدين والمعارضين حيث كان الدافع الأساسي وراءها هو الاستفادة من ضوء الشمس الطبيعي وتقليل الاعتماد على الإضاءة الصناعية. ورغم أن الفكرة طُرحت في البداية كاقتراح نظري في مقالته كمشروع اقتصادي إلا أنها لم تجد تطبيقاً فعلياً إلا بعد سنوات طويلة عندما حاول عالم الحشرات النيوزيلندي جورج هدسون في عام 1895 تطبيق الفكرة إيماناً منه بأثرها الإيجابي على زيادة ساعات العمل والتنمية الاقتصادية إلا أنه واجه رفضاً مجتمعياً واسعاً. بعد ذلك تبنى المهندس البريطاني ويليام ويليت هذه الفكرة وطرحها في كتابه ضياع ضوء النهار عام 1907، مقترحاً تقديم الساعة بمعدل 20 دقيقة في بعض الأيام خلال فصلي الربيع والصيف لكنه توفي قبل أن يتمكن من رؤية فكرته قيد التنفيذ.
رغم العقبات التي واجهتها الفكرة في بداياتها إلا أن ألمانيا كانت أول دولة تطبق التوقيت الصيفي رسمياً في أبريل 1916 وذلك كإجراء اقتصادي يستهدف تقليل استهلاك الطاقة والحد من النفقات المرتبطة بالإضاءة الصناعية. ورغم أن التطبيق لم يستمر طويلاً حيث تم إلغاؤه عام 1919 إلا أنه عاد مرة أخرى عام 1940 خلال الحرب العالمية الثانية لتحقيق الاستفادة القصوى من الموارد المتاحة. أما في الولايات المتحدة فلا يزال الجدل حول التوقيت الصيفي مستمراً بين مؤيديه ومعارضيه حيث يرى البعض أنه يمنح الأفراد فرصة لاستغلال ضوء النهار بشكل أفضل بينما يرى آخرون أنه يؤثر على أنماط النوم ويؤدي إلى اضطرابات صحية واقتصادية. ومع تطبيق التوقيت الصيفي في الولايات المتحدة في مارس 2025 والذي يتضمن تقديم الساعة ساعة واحدة إلى الأمام نجد أن الرئيس السابق دونالد ترامب قبل توليه قد أبدى معارضته لهذا النظام، معتبراً أنه يخدم فئة محدودة فقط ويتسبب في تكاليف إضافية على الدولة إلا أن إلغاؤه يظل أمراً صعباً نظراً للحاجة إلى موافقة الكونغرس وإصدار تشريعات جديدة.
الانقسام حول تأثير التوقيت الصيفي لا يقتصر فقط على الجوانب الإدارية أو الاقتصادية بل يتعداها ليشمل أبعاداً أمنية وصحية أيضاً. حيث يشير مؤيدو النظام إلى أن تقديم الساعة يقلل من معدلات الجريمة ويحسن مستوى الأمان في الطرقات العامة والسريعة حيث يكون ضوء الشمس عاملاً مساعداً في تقليل الحوادث. على الجانب الآخر تشير دراسات أجرتها جامعتا جونز هوبكنز وستانفورد إلى أن تقديم الساعة في فصل الربيع يؤدي إلى اضطرابات في النوم تؤثر على الصحة العامة وتزيد من احتمالية وقوع حوادث المرور إلى جانب تأثيره على القلب والدورة الدموية وهو ما قد يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة. كما أن دراسة أجرتها جامعة كاليفورنيا أشارت إلى أن تقديم الساعة قد يؤدي في بعض الحالات إلى زيادة استهلاك الطاقة بدلاً من تقليلها حيث يؤدي ذلك إلى زيادة الاعتماد على وسائل التدفئة أو التبريد مما يعكس أن التطبيق قد لا يكون فعالاً في جميع البيئات المناخية.
بشأن الاقتصاد السعودي فإن تأثير التوقيت الصيفي لا يمكن تجاهله خاصة مع ارتباطه بعدد من القطاعات الحيوية التي تعتمد على ساعات النهار في نشاطها الإنتاجي. فكما هو الحال في العديد من الاقتصادات الكبرى والمتقدمة يمكن أن يؤدي تقليل ساعات النهار إلى تأثيرات سلبية على الأنشطة الاقتصادية في مجالات متعددة مما قد يؤدي إلى توقف بعض الأعمال في وقت مبكر من اليوم وبالتالي تقليل الإنتاجية. كما أن تقديم أو تأخير الساعة قد يؤثر على قطاع النقل والمواصلات حيث يمكن أن يتسبب في زيادة معدلات حوادث الطرق بسبب حلول الظلام المبكر وعدم وضوح الرؤية لقائدي المركبات مما ينعكس سلباً على السلامة المرورية.
التوقيت الصيفي هو بلا شك سلاح ذو حدين حيث يمكن أن يكون مفيداً للبعض وفقاً لظروفهم وأهدافهم بينما قد يكون غير ملائم لآخرين بسبب تأثيراته السلبية على أنماط حياتهم وصحتهم. في ظل هذه التحديات يصبح من الضروري تحليل مدى ملاءمة هذا النظام للاقتصاد السعودي من خلال دراسة تأثيره على الإنتاجية والطاقة والأمن والنقل مع ضرورة النظر إلى التجارب العالمية في هذا المجال لضمان تحقيق أقصى فائدة ممكنة دون التسبب في آثار جانبية غير مرغوبة. التوجه السعودي نحو الاستدامة الاقتصادية والتوازن بين التطوير التكنولوجي ورفاهية الأفراد يستوجب قرارات مدروسة تتناسب مع طبيعة المملكة وتوجهاتها المستقبلية بحيث يتم تحقيق الاستفادة القصوى من ساعات النهار دون التأثير سلباً على القطاعات الاقتصادية والمجتمعية المختلفة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال