الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في خضم التحولات الاقتصادية العالمية، تبرز سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب كإحدى أكثر التجارب جرأة في كسر قواعد العولمة التقليدية. تحت شعار “أمريكا أولاً”، تبنّى ترامب نهجًا حمائياً أثار جدلاً واسعاً بين الاقتصاديين والمراقبين، ما بين من يراه تصحيحاً لمسار تجاري غير متوازن، ومن يحذّر من انعكاساته طويلة الأمد على الأسواق والاقتصاد العالمي. في هذا المقال، أقدّم قراءة تحليلية لهذا التحول، متسائلاً: هل ستُخلَّد هذه التجربة كنجاح استثنائي، أم كتحذير من مخاطر الانقلاب على قواعد التجارة الحرة؟
تحت شعار “أمريكا أولاً”، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض تعريفات جمركية شاملة على الواردات القادمة من مختلف دول العالم. وقد جاءت هذه الخطوة ضمن مساعيه لإعادة التوازن إلى الميزان التجاري الأمريكي، من خلال تقليص الاعتماد على الخارج، وحماية السوق المحلي من المنافسة الأجنبية، وتعزيز الصناعات الوطنية.
هذه السياسات، ورغم ما اعتبره بعض المحللين توجهاً عشوائياً، إلا أنها تعكس رؤية مغايرة للنظام الاقتصادي العالمي القائم. إذ يتحدى ترامب المبادئ التقليدية للتجارة الحرة التي تأسست عليها اتفاقيات كبرى مثل “الجات” ومنظمة التجارة العالمية، ويطرح بديلاً عنها نموذجاً يقوم على ما يمكن وصفه بـ “الحماية الاقتصادية الذكية”، التي تهدف إلى إعادة هندسة شروط التجارة الدولية لصالح الولايات المتحدة.
ورغم أن هذا التوجه قد يحقق بعض المكاسب على المدى القصير، كتحفيز الصناعة المحلية وخلق فرص عمل داخلية، إلا أنه يثير مجموعة من الأسئلة الجوهرية التي لا يمكن تجاهلها، من أبرزها:
هذه التجربة تُعد مغامرة اقتصادية جريئة – محفوفة بالمكاسب والمخاطر – وقد تُسجَّل في التاريخ كنجاح كبير يعيد الاعتبار للاقتصاد المحلي الأمريكي، أو كتحذير صارخ من مخاطر الانفصال عن المبادئ التي قامت عليها العولمة الحديثة. ففي حال نجحت الإدارة الأمريكية في استعادة البيئة الصناعية المهاجرة، فقد تُسهم هذه التجربة في إعادة تشكيل ملامح النظام الاقتصادي العالمي نحو نموذج أكثر استقلالية وانغلاقاً. أما إذا أدت هذه الإجراءات إلى استمرار التوترات التجارية، وارتفاع تكاليف الإنتاج والاستهلاك، فقد تُثبت التجربة أن المكاسب قصيرة الأجل لا تصمد أمام الخسائر الاستراتيجية الأعمق.
ماذا عن تحوّل سلاسل الإمداد: من الصين إلى العالم الجديد؟ بالطبع لا يمكن إغفال الأثر المباشر الذي ستتركه السياسات الحمائية الأمريكية على التحول الكبير في سلاسل الإمداد العالمية. فمع تصاعد التوجه نحو تقليص الاعتماد على الصين، سوف تتبلور ملامح جديدة لخريطة التجارة والصناعة العالمية. وإذا كان الهدف الجوهري من تلك السياسات هو فك الارتباط الاقتصادي مع بكين، فإن دولاً مثل الهند، فيتنام، إندونيسيا، ماليزيا، وتايلند تبدو في طليعة المستفيدين من إعادة توجيه جزء كبير من الاستثمارات وسلاسل الإنتاج نحوها، مستفيدة من العمالة الرخيصة، والتسهيلات الاستثمارية، وبيئة الإنتاج الصاعدة.
وفي موازاة هذا التحول، ومع تعقّد السياسات التجارية العالمية، يُتوقّع أن ترتفع القيمة الاستراتيجية للدول اللوجستية القائمة، لما تمتلكه من بنى تحتية متقدمة وقدرات عالية على تقديم خدمات الإمداد، والنقل، وإعادة التصدير. كما سيزداد الطلب على مراكز مالية دولية مرنة وموثوقة لتسهيل التمويل والتحوّط من المخاطر. ومن شأن هذا التحول أن يعكس إعادة رسم تدريجية لخريطة التجارة العالمية الجديدة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال