الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في السنوات الأخيرة واجه العالم موجات متتالية من الأوبئة التي لم تقتصر آثارها على الصحة العامة فحسب بل امتدت لتصيب الاقتصاد العالمي في صميمه. ومن هذا المنطلق لا يمكن تجاهل التأثير المحتمل للأوبئة المستقبلية على الاقتصاد السعودي خاصة في ظل رؤية المملكة 2030 التي تستند إلى بناء اقتصاد متنوع ومستدام يتجاوز الاعتماد التقليدي على النفط.
لقد أثبتت جائحة كوفيد-19 أن الأوبئة قادرة على تغيير موازين الاقتصاد العالمي ولا يُستثنى من ذلك الاقتصاد السعودي الذي يشكل اليوم بيئة جاذبة للاستثمارات العالمية في مجالات متعددة. ومع تسارع تحورات الفيروسات وظهور أمراض جديدة ناتجة عن التغير المناخي أو انتقال العدوى من الحيوانات إلى البشر تبرز الحاجة إلى دراسة تأثير هذه الأوبئة المحتملة على قطاعات حيوية داخل المملكة.
أحد أكثر القطاعات عرضة للتأثر هو قطاع السياحة والترفيه الذي يشكل حجر زاوية في رؤية 2030 خاصة مع المشاريع الكبرى مثل نيوم والقدية والبحر الأحمر. انتشار الأوبئة قد يؤدي إلى تقليص حركة السفر وإلغاء الفعاليات الكبرى مما يؤثر بشكل مباشر على العائد الاستثماري لهذه المشروعات ويضع أمام المخططين الاقتصاديين تحديات تتعلق بكيفية ضمان استدامتها في ظل الأزمات الصحية. كما أن قطاع الطاقة وعلى رأسه النفط ليس بمنأى عن هذه التأثيرات إذ أن انخفاض الطلب العالمي في أوقات الأزمات الصحية يعكس نفسه مباشرة على أسعار النفط وبالتالي على الإيرادات الحكومية التي تمثل مصدراً رئيسياً للدخل.
وفي المقابل تفتح هذه التحديات الباب أمام فرص اقتصادية جديدة تتماشى مع التحول الرقمي الذي تسعى إليه المملكة. فالأوبئة رغم قسوتها سرّعت تبني نماذج العمل عن بُعد وساهمت في تنشيط التجارة الإلكترونية والخدمات الرقمية. هذا التوجه يدعم طموحات المملكة في بناء اقتصاد رقمي متكامل ويخلق وظائف جديدة في مجالات التقنية والابتكار والذكاء الاصطناعي مما يوسع دائرة التوظيف ويحفز الإبداع لدى الشباب السعودي.
التخطيط الاقتصادي في هذا السياق يجب أن يكون مرناً وقادراً على التكيف مع السيناريوهات المتغيرة. وهذا يشمل تعزيز الاستثمار في قطاع الرعاية الصحية ليس فقط من باب الاستعداد للأزمات بل أيضاً كمجال استثماري واعد يُسهم في تنمية الاقتصاد الوطني. تطوير تقنيات الرعاية الصحية عن بُعد وتوظيف الذكاء الاصطناعي في التشخيص ومتابعة المرضى يمثل ركيزة لمستقبل أكثر أماناً واستدامة.
كما أن التوجه نحو الطاقة النظيفة كخيار استراتيجي في مواجهة تقلبات أسواق النفط الناتجة عن الأوبئة يمنح الاقتصاد السعودي بُعداً جديداً في التنوع والاستدامة، ويعزز مكانته ضمن الاقتصادات الصاعدة عالمياً في الابتكار البيئي والتقني.
إن التحديات التي تفرضها الأوبئة ليست نهاية الطريق بل فرصة لإعادة النظر في الأولويات الاقتصادية، وتحويل الضغط إلى فرصة والتهديد إلى مكاسب. ومن هذا المنطلق فإن التخطيط الاقتصادي السعودي يجب أن يظل مستنداً إلى الابتكار ومستعداً للتحولات لينجح في تحويل كل أزمة محتملة إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل أكثر صلابة واستقراراً.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال