الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في قلب مدينة هانوي الصاخبة، يقف تران، صاحب مصنع صغير للملابس، أمام ماكينات الخياطة التي توقفت عن العمل. قبل أشهر، كان يصدّر مئات الطلبيات إلى تجار التجزئة الأمريكيين، لكن اليوم، مع إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن تعريفة جمركية بنسبة 46% على فيتنام، أصبحت أحلامه تتهاوى تحت وطأة الأرقام. بعيدًا في الرياض، يتأمل فهد، صاحب شركة صغيرة لتصدير التمور، في مستقبل غامض بسبب تعريفة 10% تهدد منافسته في السوق الأمريكي. هذه ليست قصصًا فردية، بل صدى أزمة عالمية تلوح في الأفق مع تعريفات ترمب المتبادلة، التي تبدأ من 10% على السعودية والإمارات، وتصل إلى 20% على الاتحاد الأوروبي، 125% على الصين، و46% على فيتنام. المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ركيزة الاقتصادات العالمية، تواجه الآن تهديدًا حقيقيًا بالإغلاق والبطالة. فهل تستطيع الصمود أمام هذه العاصفة التجارية، أم أنها ستُسحق في معركة لا تملك أسلحتها؟
المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تُشكل ما يصل إلى 60% من الناتج المحلي في دول مثل الصين وفيتنام وتوظف الملايين، تُعد الأكثر هشاشة أمام التعريفات الجمركية. هذه المنشآت، بمواردها المحدودة وهوامش ربحها الضيقة، تعتمد غالبًا على أسواق محددة مثل الولايات المتحدة، أكبر سوق استهلاكي عالمي. عندما ترتفع تكاليف التصدير، يتراجع الطلب، وتتهاوى الإيرادات، مما يضعها على حافة الإفلاس. في دول الخليج، مثل السعودية والإمارات، تبدو تعريفة 10% خفيفة نسبيًا، خاصة أن الصادرات تهيمن عليها شركات النفط الكبرى مثل أرامكو وأدنوك. لكن المنشآت الصغيرة في قطاعات أخرى ليست محظوظة بنفس القدر. فهد، في الرياض، يرى أن تعريفة 10% تجعل تموره أقل تنافسية أمام منتجات من المكسيك أو تونس، مما يهدد عقودًا كانت تُعيل عشرين موظفًا. في الإمارات، شركة صغيرة لتصنيع الأثاث قد تخسر عملاءها الأمريكيين، مما يدفعها لتقليص الإنتاج أو مواجهة الإغلاق. التأثير غير المباشر أكثر قسوة، إذا تباطأ الاقتصاد الأمريكي، قد ينخفض الطلب العالمي على النفط، مما يضغط على الميزانيات الحكومية في الخليج، فيقل الدعم للبرامج بشكل عام، تاركًا المنشآت الصغيرة تواجه مصيرها وحيدة. إجمالًا، قد تُغلق 5-10% من المنشآت غير النفطية المصدرة، مع خسارة مئات الوظائف في هذه القطاعات.
في الصين، حيث تصل التعريفة إلى 125% على صادرات بقيمة 500 مليار دولار سنويًا، تكون الضربة موجعة بشكل خاص. المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تشكل 60% من هذه التجارة، تواجه خطرًا وجوديًا. تخيل ورشة عائلية في شنغهاي تنتج ألعابًا لأمازون؛ مع ارتفاع الأسعار بنسبة 125%، تتراجع الطلبيات، ومع هوامش ربح ضئيلة، قد يُفلس 30-40% من هذه المنشآت خلال عام. الوظائف هنا هي الأكثر عرضة، إذ قد يُفقد الملايين، خاصة في المقاطعات الصناعية مثل قوانغدونغ، حيث يعتمد العمال غير المهرة على هذه المنشآت. الأثر يمتد إلى سلاسل التوريد، فمصانع صغيرة للبلاستيك أو الأقمشة قد تخسر عملاءها من المنشآت المصدرة، مما يضاعف الخسائر ويهدد بموجة بطالة جماعية.
فيتنام، بتعريفة 46%، تواجه كارثة حقيقية. المنشآت الصغيرة والمتوسطة، التي تُشكل ركيزة صادرات المنسوجات والإلكترونيات 30% منها إلى أمريكا، تُصارع من أجل البقاء. تران، في هانوي، يرى مصنعه الصغير للأحذية على وشك التوقف بعد خسارة عقود مع شركات مثل نايك. قد يُفلس 50-70% من هذه المنشآت خلال أشهر، مع خسارة مئات الآلاف من الوظائف في المناطق الصناعية. هذه المنشآت، التي غالبًا تعمل كمقاولين من الباطن لشركات كبرى، ستتأثر إذا قلصت الأخيرة إنتاجها، مما يجعل التكيف شبه مستحيل بدون إعانات حكومية فورية.
في الاتحاد الأوروبي، تعريفة 20% تلقي بظلالها على المنشآت الصغيرة في دول مثل إيطاليا وإسبانيا، التي تصدر مشروبات أو الجبن، أو ألمانيا، التي تنتج أجزاء صناعية. مزرعة عائلية في توسكانا قد تخسر حصتها في السوق الأمريكي، مما يدفعها لتسريح عمال موسميين أو الإغلاق. التأثير هنا متوسط، إذ قد تُغلق 10-20% من المنشآت المصدرة، مع خسارة عشرات الآلاف من الوظائف في القطاعات الزراعية والصناعية الخفيفة. ردود الفعل الأوروبية، مثل تعريفات مضادة على المنتجات الأمريكية (كالويسكي أو السيارات)، قد ترفع تكاليف استيراد المعدات، مما يزيد الضغط على المنشآت الصغيرة التي تعتمد على هذه الواردات.
اليابان، بتعريفة 24%، ليست بمنأى عن الأزمة. المنشآت الصغيرة التي تصنّع قطع غيار السيارات أو المكونات الإلكترونية قد تخسر عقودًا مع شركات مثل تويوتا إذا تأثرت صادرات السيارات. حوالي 15-25% من هذه المنشآت قد تتوقف عن العمل، مع فقدان آلاف الوظائف في المناطق الصناعية. لكن الدعم الحكومي الياباني قد يخفف الصدمة مقارنة بدول أخرى. في الأردن، تعريفة 20% تهدد المنشآت الصغيرة التي تصدر المنسوجات، حيث قد يُفلس 30-50% منها، مما يؤدي إلى خسارة آلاف الوظائف في اقتصاد هش. مصر، بتعريفة 10%، قد تتضرر أقل، لكن المنشآت في القطن أو الأغذية المصنعة قد تخسر مئات إلى آلاف الوظائف إذا تراجع الطلب الأمريكي.
التأثيرات لا تقتصر على التصدير. إذا ردت الدول بتعريفات مضادة، سترتفع تكاليف استيراد المواد الخام أو المعدات الأمريكية، مما يضرب ربحية المنشآت الصغيرة. على سبيل المثال، مصنع صغير في الإمارات يستورد معدات تصنيع من أمريكا قد يواجه زيادة في التكاليف إذا فرضت أبو ظبي تعريفات مضادة، مما يجبره على تسريح عمال. تباطؤ الاقتصاد العالمي الناتج عن الحرب التجارية قد يقلل الطلب المحلي في هذه الدول، مما يضاعف الضغوط على المنشآت التي تأمل في التحول إلى السوق الداخلي كبديل.
هل هناك بارقة أمل؟ بعض المنشآت قد تجد ملاذًا في أسواق بديلة. في الخليج، مبادرات مثل “رؤية 2030” قد تُعزز التجارة مع آسيا، لكن التحول يتطلب رأس مال ووقتًا، وهي أمور تفتقر إليها المنشآت الصغيرة. في الصين، قد يدعم مشروع “الحزام والطريق” بعض المنشآت للتصدير إلى أفريقيا، لكن النتائج لن تكون فورية. أوروبا قد تتحول إلى الأسواق المحلية، لكن الطلب الراكد يحد من الفرص. فيتنام والأردن، بموارد أقل، تواجهان مخاطر أكبر، حيث قد لا تتمكن المنشآت من الصمود بدون إعانات حكومية.
السؤال الأعمق، هل تُشكل هذه التعريفات بوابة لاقتصاد عالمي جديد؟ قد تُشجع الدول على الحمائية، مما يدفع المنشآت الصغيرة للبحث عن أسواق إقليمية، لكن على حساب النظام التجاري متعدد الأطراف الذي دعم نموها. في الوقت الحالي، المخاطر تهيمن. فيتنام قد تفقد مئات الآلاف من الوظائف إذا أغلقت المنشآت المصدرة. الصين تهدد بخسارة ملايين الوظائف في القطاعات الاستهلاكية. أوروبا واليابان قد تخسران عشرات الآلاف من الوظائف، والخليج مئات الوظائف في القطاعات غير النفطية. الأردن يواجه خطرًا أكبر بآلاف الوظائف، بينما مصر قد تفقد مئات الوظائف لكن بتأثير أقل.
لتجنب هذه الكارثة، تحتاج المنشآت الصغيرة إلى دعم حكومي عاجل، إعفاءات ضريبية، قروض ميسرة، أو برامج لفتح أسواق جديدة. بدون ذلك، ستكون الضحية الأولى لحرب ترمب التجارية، تاركة وراءها اقتصادات مثقلة بالبطالة وأحلامًا محطمة. فهل تستطيع الدول حماية هذه الركيزة، أم أن التعريفات ستُعيد كتابة قصصها بحبر الخسارة؟
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال