الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
مع إعلان الولايات المتحدة عن رفع التعرفة الجمركية على العديد من السلع المستوردة، بدأت الأسواق العالمية في التكيف مع التداعيات الاقتصادية لهذه الخطوة، بما في ذلك السوق السعودي. نظرًا لأن المملكة تعتمد على استيراد العديد من المنتجات من دول مثل الصين، الهند، وفيتنام، فإن تأثير هذه التعريفات قد ينعكس على الأسعار المحلية، مما دفع الجهات المعنية إلى اتخاذ إجراءات استباقية لضمان استقرار السوق.
أحد أهم الاستراتيجيات التي اعتمدتها السعودية لمواجهة ارتفاع الأسعار هو تعزيز الإنتاج المحلي، حيث ساهم تعديل التعرفة الجمركية على بعض السلع في زيادة عدد المصانع بنسبة 8%، مما أدى إلى توفير بدائل محلية بأسعار تنافسية وتقليل الاعتماد على المنتجات المستوردة. رفعت الحكومة السعودية استثماراتها في القطاعات الصناعية، حيث وصلت قيمة الاستثمارات في المصانع المنتجة للسلع المعدلة رسومها إلى 374 مليار ريال حتى نهاية 2021، مما ساعد في خلق فرص عمل جديدة وزيادة القدرة الإنتاجية.
مع ارتفاع التعرفة الجمركية على المنتجات المستوردة، بدأت الشركات السعودية في البحث عن مصادر بديلة للاستيراد من دول ذات تعريفات أقل، مما يساهم في تنويع سلاسل التوريد وتقليل التأثير السلبي على الأسعار المحلية. تسعى المملكة إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية لتعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات، حيث تستهدف السعودية رفع نسبة الاستثمارات الأجنبية إلى 5.7% من إجمالي الناتج المحلي، مما يساعد في دعم الاقتصاد الوطني وتقليل تأثير التعرفة الجمركية على المستهلكين.
في الوقت نفسه، اتخذ البنك المركزي الصيني إجراءات صارمة لمنع انخفاضات حادة في قيمة اليوان، حيث طلب من البنوك الكبرى المملوكة للدولة تقليل مشترياتها من الدولار الأمريكي، وشدّد عمليات الفحص عند تنفيذ أوامر شراء الدولار، في خطوة تهدف إلى الحد من عمليات المضاربة وضمان استقرار قيمة العملة الصينية. كما قامت البنوك الحكومية الكبرى ببيع الدولار وشراء اليوان بقوة لإبطاء وتيرة انخفاضه في السوق المحلية، وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر على الأسواق التي تعتمد على الاستيراد من الصين، ومنها السعودية.
رغم التحديات الاقتصادية، تعمل الجهات الحكومية على ضمان استقرار أسعار السلع الأساسية مثل المواد الغذائية والأدوية، من خلال دعم الموردين المحليين وتقديم حوافز للشركات التي توفر المنتجات بأسعار مناسبة. لكن بعض المنتجات المستوردة، مثل الهواتف الذكية، قد تشهد زيادة في أسعارها نتيجة للسياسات الجمركية الجديدة. على سبيل المثال، نظرًا لأن معظم أجهزة “آيفون” يتم تصنيعها في الصين، فمن المتوقع أن ترتفع أسعارها عالميًا، بما في ذلك السوق السعودي، حيث تشير التقديرات إلى أن سعر iPhone 16 Pro Max قد يرتفع بنسبة 29%، ليصل إلى 1,549 دولارًا بدلًا من 1,199 دولارًا، بينما قد يرتفع سعر iPhone 16 Pro بنسبة 12%، ليصل إلى 1,119 دولارًا بدلًا من 999 دولارًا. هذا الارتفاع ينسحب أيضًا على المنتجات الإلكترونية الأخرى التي تعتمد على التصنيع في الصين أو الدول المتأثرة بالتعريفات الجمركية.
إضافةً إلى الإلكترونيات، هناك منتجات أخرى مستوردة ستتأثر بارتفاع التعرفة الجمركية، مثل السيارات وقطع الغيار، المواد الغذائية، والأجهزة الكهربائية. تم رفع الرسوم الجمركية على السيارات وقطع الغيار بنسبة تصل إلى 15%، مما قد يؤدي إلى زيادة أسعار السيارات المستوردة في السعودية. كما أن بعض المنتجات الغذائية المستوردة، مثل اللحوم ومنتجات الألبان، قد تخضع لرسوم جمركية تتراوح بين 2-15%، مما قد يؤثر على أسعارها في السوق المحلي. كل هذه العوامل تشير إلى ضرورة وجود استراتيجيات تكيفية من قبل الشركات والمستهلكين لضمان استقرار الأسعار والتعامل مع التغييرات الجديدة في التجارة العالمية.
في يناير الماضي، كنت قد كتبت مقالًا في صحيفة مال بعنوان “ارتفاع الأسعار من جديد.. هل نحن جاهزون؟”، حيث توقعت أن يشهد العالم موجة تضخمية قوية نتيجة الحروب الاقتصادية والاضطرابات الجيوسياسية، وكان من أبرز هذه العوامل الحرب التجارية المحتملة بين الولايات المتحدة والصين، والتي نشهد تأثيرها اليوم بشكل مباشر على الأسواق السعودية.
ما يحدث الآن يؤكد أن تلك التوقعات لم تكن مجرد سيناريوهات نظرية، بل واقع اقتصادي تتكشف ملامحه، مما يتطلب استعدادًا متزايدًا لضمان استقرار السوق المحلي وتخفيف تداعيات الأزمات العالمية. في ذلك المقال، أشرت إلى أن التضخم المتوقع في السعودية سيزداد مع ارتفاع أسعار السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، بالإضافة إلى التغيرات في السياسات التجارية التي قد تؤثر على تكاليف الواردات والصادرات. كذلك تناول المقال العوامل الاقتصادية العالمية مثل انخفاض أسعار النفط، وتزايد انعدام الأمن الغذائي، وتأثير ذلك على الدول النامية والاقتصادات الناشئة، مما يعزز من أهمية التحليل الاستباقي لهذه الأزمات لضمان استقرار اقتصادي على المدى الطويل.
مع ارتفاع التعرفة الجمركية وما يترتب عليها من زيادة في الأسعار، فإنه يتوجب على الجهات الرقابية الحكومية التدخل لضبط السوق ومنع أي تلاعب من قبل التجار والموردين الذين قد يستغلون الوضع لرفع الأسعار إلى مستويات تفوق الأرقام الرسمية، بحجة أنها تتماشى مع الأسعار العالمية. هناك مخاوف من أن بعض الجهات قد تفرض زيادات غير مبررة بهدف تحقيق أرباح غير عادلة، مما يعرض المستهلكين لمخاطر الاحتيال والنصب ودفع أسعار أعلى من القيمة الفعلية للسلع. لذلك، فإن تشديد الرقابة على الأسواق المحلية، وتعزيز آليات الإفصاح والشفافية في التسعير، سيضمن عدم استغلال الأزمة لفرض زيادات غير منطقية على السلع الأساسية والكمالية، مما يحمي المستهلكين من دفع تكاليف غير عادلة في ظل التضخم العالمي المتزايد.
استعداد السوق السعودي لارتفاع التعرفة الجمركية يعكس نهجًا استراتيجيًا يهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي، دعم القطاعات الصناعية، وإعادة هيكلة سلاسل التوريد لضمان استقرار الأسعار. هذه الإجراءات لا تساعد فقط في مواجهة التحديات الاقتصادية، بل تساهم أيضًا في تحقيق أهداف رؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتقليل الاعتماد على الواردات، مع التركيز على خلق بيئة اقتصادية أكثر مرونة واستدامة، في ظل التغيرات العالمية المتسارعة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال