الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
لا شك أن انتهاك حقوق المؤلف لا يُعدّ فقط تعدّيًا على الملكية الفكرية، بل يُمثّل شكلًا من أشكال الخسائر الاقتصادية الصامتة التي يصعب تتبّعها أو الإحساس بها بشكل مباشر. فحين يُقتبس محتوى دون إذن، أو يُعاد نشره دون ذكر مصدره، أو يُستخدم عمل إبداعي لتحقيق أرباح دون تعويض صاحبه، فإن الضرر يتسلل بصمت إلى جيوب المبدعين، ويضرب الاقتصاد الإبداعي المحلي في عمقه.
كما أن هذه الانتهاكات غالبًا ما تحدث في الفضاء الرقمي، حيث يصبح تتبّع الاستخدامات غير المرخصة أمرًا معقّدًا تقنيًا وقانونيًا. ومع اتساع دائرة النشر الرقمي، تضاعفت هذه الخسائر بشكل لا يمكن إحصاؤه بدقة. لذلك، فإن الاعتماد على المنصات كوسيلة من الوسائل الرقمية كمصدر إثبات رسمي – كما أشار إليه نظام الإثبات السعودي في بعض مواده – يعد نقلة نوعية ينبغي تطويرها لتشمل إثبات أسبقية النشر وملكية المصنفات وإدراجها ضمن نظام حماية حقوق المؤلف. ويمكن تعزيز ذلك من خلال إنشاء منصة رسمية رقمية تتيح للمؤلفين الحصول على رقم مرجعي للمصنف قبل تسجيله رسميًا، ليتمكن المؤلف من نشره في وسائل التواصل الاجتماعي وهو محصن إثباتيًا، مما يخفف من أعباء الإثبات عند التعدي ويمنح حماية استباقية للمحتوى.
لذلك، فإن من الضروري تطوير أدوات ذكية لرصد الانتهاكات، وتفعيل الربط بين هذه المنصات والمنصات القضائية وشبه القضائية، بما يتيح تحريك الدعوى أو توثيق الاعتداء بضغطة زر. كما يجب فتح المجال أمام القطاع الخاص للمساهمة في بناء تقنيات “بصمة رقمية” للمحتوى المنشور، وتدريب الممارسين على التعامل مع قضايا الملكية الفكرية المرتبطة بالتقنيات الحديثة.
ختامًا، فإن الاعتداء على حقوق المؤلف لم يعد جريمة فردية فحسب، بل تحوّل إلى أزمة اقتصادية تؤثر على الناتج الثقافي الوطني. وكلما تأخرنا في كشف هذه “الخسارة الصامتة”، كلما ازدادت فجوة الثقة بين المبدع وما يحفظ حقوقه، وضعف الحافز على الإنتاج. ولهذا فإن حماية هذه الحقوق لم تعد ترفًا تشريعيًا، بل ضرورة لحماية مستقبل الإبداع، وتحقيق العدالة الرقمية، وتعزيز اقتصاد المحتوى الإبداعي في المملكة.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال