الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
عند النظر إلى التحولات العالمية المتسارعة قد يبدو في الظاهر أن انتشار السيارات الكهربائية يشكل تهديداً مباشراً لواردات النفط خصوصاً بالنسبة لدول مثل السعودية التي يُعد النفط أحد أعمدتها الاقتصادية. لكن إذا ما قلبنا زاوية الرؤية وتعاملنا مع هذا التحدي كفرصة نجد أن هذا التغير يمكن أن يتحول إلى حافز قوي لتسريع التحول الاقتصادي الذي تتبناه المملكة ضمن رؤية 2030.
السيارات الكهربائية تعتمد على بطاريات قابلة للشحن بدلاً من الوقود التقليدي مما يجعلها خياراً بيئياً مفضلاً في ظل ارتفاع الوعي بقضايا التغير المناخي. ومع تزايد القوانين الدولية التي تدعو للحد من الانبعاثات الكربونية يتجه العالم بخطى ثابتة نحو تبني هذا النوع من المركبات. من الناحية الظاهرية هذا التحول قد يُقلل من الطلب على النفط في قطاع النقل وهو ما تدعمه بعض التقديرات التي تشير إلى احتمال انخفاض استهلاك النفط في هذا القطاع بنسبة تصل إلى 10% بحلول 2030.
لكن المملكة لا تنظر إلى هذا الانخفاض كخطر منفصل بل كجزء من معادلة اقتصادية أشمل فالاستهلاك في قطاع النقل ليس هو المحرك الوحيد للطلب على النفط. هناك قطاعات صناعية ضخمة حول العالم مثل البتروكيماويات لا تزال تعتمد بشكل كبير على النفط ومشتقاته. بل إن السعودية قد عززت من هذا المسار بعقد شراكات استراتيجية طويلة الأمد مثل توقيعها 14 اتفاقية ومذكرة تفاهم مع الصين لتعزيز التعاون في مجال الطاقة والبتروكيماويات وهو ما يثبت أن مكانة النفط السعودي لا تزال راسخة في الأسواق العالمية.
من زاوية أخرى المملكة لم تكتفِ بالدفاع عن موقعها في سوق الطاقة التقليدية بل بادرت باتجاه موازٍ يتمثل في تنويع مصادر الاقتصاد. فمع تسارع الاعتماد على الطاقة النظيفة تسعى السعودية للتمركز داخل هذا السوق الجديد لا خارجه. ويظهر ذلك في مشروعات الطاقة المتجددة مثل محطة سكاكا ومحطة جدة للطاقة الشمسية، بالإضافة إلى دخولها في صناعة السيارات الكهربائية من خلال شركات محلية مثل سير بالتعاون مع شركات عالمية مثل فوكسكون وهونداي.
إذا ما استمر انتشار السيارات الكهربائية على هذا النحو فقد تضطر المملكة مستقبلاً إلى التكيف مع متغيرات السوق عبر خفض الإنتاج أو إعادة تسعير صادراتها من النفط. لكن هذه الإجراءات لن تكون ارتجالية بل محسوبة ضمن استراتيجيات الاقتصاد الكلي التي تديرها المملكة لتأمين استقرار الدخل وتنويع مصادره. فالاقتصاد السعودي لا يُبنى اليوم على النفط وحده بل على مزيج من القطاعات المتكاملة من السياحة والتقنية إلى التصنيع والخدمات اللوجستية.
نجد أن التحديات التي تفرضها السيارات الكهربائية ليست نهاية لعصر النفط بل بداية لحقبة اقتصادية جديدة تعيد فيها المملكة تشكيل دورها العالمي ليس فقط كمصدر طاقة تقليدية بل كقوة اقتصادية شاملة تقود التغيير بدل أن تنقاد له. وهذا هو جوهر الرؤية السعودية للمستقبل.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال