الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في التاسع من الشهر الجاري نشر مركز الفكر الامريكي ” راند “. بحثا لمجموعة من الباحثين المتخصصين بعنوان ” التأثير المحتمل للتعدين في قاع البحر على سلاسل سلاسل إمداد المعادن الحرجة والجيو سياسية العالمية”
وقد جاء في التقرير، عرض نتائج دراسة متعددة الجوانب لقضايا تتعلق بالتعدين في قاع البحار، بما في ذلك إمكانية وتوقيت ورغبة تنويع سلاسل إمداد المعادن الحرجة، والتأثيرات على عائدات الدول النامية ذات القطاعات التعدينية البرية الكبيرة، والجوانب الجيوسياسية العالمية. واستكشف المؤلفون احتمالية وحجم هذه التأثيرات لتوفير معلومات أفضل للتخطيط وصنع السياسات فيما يخص التعدين في قاع البحار على وجه الخصوص، وسلاسل إمداد المعادن الحرجة بشكل أوسع.
وقد جاء في التقرير أن العقد الماضي قد شهد تجدد الاهتمام بالتعدين في قاع البحار مع زيادة جهود إزالة الكربون من نظام الطاقة، مما رفع الطلب المتوقع على المعادن الحرجة الموجودة في موارد قاع البحار، وتقدمت الجهود لوضع إطار تنظيمي دولي لاستخراج المعادن من قاع البحار. وقد أشار التقرير أنه وفقًا لخطط أعمال شركات التعدين، يمكن لصناعة التعدين في قاع البحار عالميًا أن تنتج كميات من النيكل والكوبالـت – وهما عنصران أساسيان في بطاريات الليثيوم أيون – تعادل الطلب المتوقع للولايات المتحدة بحلول عام 2040.
ووجد المؤلفون أن ظهور صناعة التعدين في قاع البحار قد يُدخل مصدرًا جديدًا لإمداد المعادن الحرجة التي تُعد عناصر أساسية في تقنيات الانتقال الطاقة والدفاع، وسيقدم هذا عدة فرص وتحديات للولايات المتحدة فيما يتعلق بتنويع سلاسل إمداد المعادن الحرجة بعيدًا عن الصين، والتعاون مع الحلفاء والشركاء، والعمل مع الدول النامية، ومعالجة المخاوف البيئية والتنظيمية والأمنية. ويقدمون عدة توصيات للحكومة الأمريكية لمعالجة هذه القضايا.
لأسباب تقنية وتجارية، أعربت شركات التعدين في قاع البحار عن اهتمام قوي بإنشاء قدرات جديدة لمعالجة وتكرير العقيدات متعددة المعادن خارج سلاسل الإمداد الحالية المهيمنة من قبل الصين، مع اهتمام خاص بالولايات المتحدة. وبالتالي، يمثل التعدين في قاع البحار فرصة للولايات المتحدة وحلفائها لتنويع سلاسل إمداد المعادن الحرجة، مما يعزز موثوقية وأمن الإمدادات. ومع ذلك، لم تضع الحكومة الأمريكية بعد رؤية واضحة لدور محتمل للولايات المتحدة وحلفائها في صناعة ناشئة للتعدين في قاع البحار.
المعادن الحرجة هي معادن ذات أهمية استراتيجية بسبب دورها الحيوي في الصناعات الحديثة والتقنيات المتقدمة، ولكنها معرضة لخطر نقص الإمدادات بسبب الاعتماد على عدد محدود من المنتجين أو الصعوبات الجيوسياسية أو البيئية. ومن أمثلتها الليثيوم، الكوبالت، العناصر الأرضية النادرة مثل النيوديميوم والديسبروسيوم، الجرافين، البلاديوم، وغيرها.
تتنافس الدول على هذه المعادن لأسباب متعددة، أبرزها الأهمية الاقتصادية والصناعية، حيث تدخل في صناعات حيوية مثل الطاقة المتجددة كتوربينات الرياح والألواح الشمسية وبطاريات السيارات الكهربائية، وفي الإلكترونيات مثل الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية وشاشات الليد ، بالإضافة إلى استخداماتها في الدفاع والتكنولوجيا العسكرية كالصواريخ والطائرات والأنظمة الإلكترونية الحساسة.
يعتمد إنتاج هذه المعادن على عدد محدود من الدول، مما يزيد من مخاطر سلاسل التوريد. على سبيل المثال، تسيطر الصين على 80% من إنتاج العناصر الأرضية النادرة، بينما تعتبر جمهورية الكونغو الديمقراطية المصدر الرئيسي للكوبالت، وتتصدر أستراليا وتشيلي إنتاج الليثيوم. هذا الاعتماد يخلق تحديات كبيرة في ظل النزاعات أو القيود التجارية.
كما تلعب اعتبارات الأمن القومي دوراً مهماً في هذا التنافس، حيث تسعى الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين إلى تأمين إمدادات هذه المعادن لتقليل الاعتماد على الخصوم الجيوسياسيين. على سبيل المثال، تعمل الولايات المتحدة على تعزيز إنتاجها المحلي أو التعاون مع حلفائها لتجنب التبعية للصين.
مع التحول العالمي نحو الاقتصاد الأخضر، تزداد الحاجة إلى معادن مثل الليثيوم المستخدم في البطاريات والعناصر النادرة الضرورية للمغناطيسات في توربينات الرياح، مما يزيد التنافس عليها. بالإضافة إلى ذلك، فإن السيطرة على هذه الموارد تمنح الدول هيمنة على صناعات المستقبل مثل الذكاء الاصطناعي والمركبات ذاتية القيادة وتقنيات الفضاء.
نتج عن هذا التنافس تزايد الاستثمار في التعدين، كما ظهرت تكتلات جيوسياسية جديدة مثل تحالفات الدول الغربية لتقليل الاعتماد على الصين، إلى جانب زيادة التوترات الدولية، مثل النزاعات حول مناجم الكوبالت في الكونغو أو التنافس في بحر الصين الجنوبي.
وفي خضم المحادثات لأنهاء الحرب الروسية الأوكرانية يجرى الحديث عن اتفاقيات للظفر بالمخزون الأوكراني من المعادن الحرجة . تمتلك أوكرانيا احتياطيات كبيرة من المعادن الحرجة مثل الليثيوم والجرافيت والتنتالوم والنيكل والأتربة النادرة، والتي تُستخدم في الصناعات العسكرية والتكنولوجيا المتقدمة، بما في ذلك البطاريات والرقائق الإلكترونية والأسلحة. يعتمد الغرب، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، على استيراد هذه المعادن من دول أخرى مثل الصين، مما يفسر الاهتمام بتأمين مصادر بديلة من أوكرانيا لتعزيز الأمن الإمدادي.
في هذا الإطار، تُثار تكهنات حول احتمال أن تهدف الولايات المتحدة إلى ضمان وصول آمن للمعادن الأوكرانية كجزء من أي تسوية لإنهاء الحرب، ربما مقابل دعم عسكري أو اقتصادي أكبر. قد تشمل الاتفاقية استثمارات أمريكية في قطاع التعدين الأوكراني، أو حتى شراكات استراتيجية لاستغلال هذه الموارد بعد الحرب، مما يقلل الاعتماد على الصين وروسيا.
من الناحية الجيوسياسية، تمتلك روسيا مصالح في المعادن الأوكرانية، خاصة في المناطق الغنية بالفحم والمعادن. لذلك، قد تتضمن أي تسوية مفاوضات حول تقسيم الموارد أو ضمانات تحول دون استغلال الغرب لها بشكل يهدد المصالح الروسية.
تواجه هذه السيناريوهات تحديات كبيرة، منها تردد أوكرانيا في التنازل عن حقوقها في مواردها الطبيعية، ومعارضة روسيا لأي اتفاق يعزز النفوذ الغربي في أوكرانيا اقتصادياً. في النهاية، لا يوجد اتفاق معلن بعد، لكن المعادن الحرجة قد تصبح جزءاً من مفاوضات أوسع حول إعادة الإعمار والأمن الطاقوي والضمانات الاقتصادية بعد الحرب، حيث ستكون أي صفقة مرتبطة بتوازن القوى بين روسيا والغرب.
باختصار، تمثل المعادن الحرجة “ذهب القرن الحادي والعشرين“، حيث أن السيطرة عليها تعني السيطرة على المستقبل التكنولوجي والاقتصادي، وهو ما يفسر سبب تحولها إلى ساحة للتنافس العالمي سواء في قاع البحار أو من خلال سيطرة القوى العظمي على الموارد البرية للدول الأضعف.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال