الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
تشهد المملكة العربية السعودية مرحلة غير مسبوقة من التحول الاقتصادي، يقودها إطار تشريعي حديث يعكس طموحات رؤية السعودية 2030، ويعزز من مكانتها كوجهة استثمارية وتجارية رائدة إقليميًا وعالميًا. وفي قلب هذا التحول تقف وزارة التجارة بدور محوري، حيث تعمل على إعادة صياغة البنية التشريعية للقطاع التجاري عبر تحديث شامل للأنظمة وتبني سياسات تمكينية تدفع نحو بيئة أعمال أكثر كفاءة وجاذبية.
من أبرز ملامح هذا التحول إصدار وتحديث عدد من الأنظمة التجارية الجوهرية التي شكّلت أساسًا قانونيًا متينًا يواكب متطلبات المرحلة، ويحفز النمو الاقتصادي. ويأتي في مقدمتها نظام الشركات، الذي صدر بالمرسوم الملكي رقم (م/132) وتاريخ 1443/12/1هـ، ويُعد أحد الركائز الأساسية في البنية التشريعية الجديدة، حيث جاء بتحديث شامل يعكس التغيرات في بيئة الأعمال ويسهم في تحسين مناخ الاستثمار. وقد توسّع النظام في الخيارات النظامية المتاحة للمستثمرين المحليين والدوليين، وأتاح مرونة كبيرة في تأسيس الكيانات التجارية وتحديد طبيعتها، بما في ذلك إدخال نماذج جديدة مثل “شركة المساهمة المبسطة”، التي تمكّن رواد الأعمال والشركات الناشئة من ممارسة أعمالهم ضمن هيكل قانوني مرن وفعال. كما عزز النظام من مبادئ الحوكمة والشفافية والمسؤولية، وحدد بوضوح حقوق الشركاء والمساهمين وواجباتهم، ووضع ضوابط تحمي حقوق الأقلية وتمنع التعسف في استخدام السلطة داخل الشركات. وقد شمل النظام أيضًا تسهيلات في إجراءات الدمج والتحول والانقسام، بما يدعم نمو الكيانات التجارية ويعزز من قدرتها على التوسع والمنافسة.
وفي المقابل، يمثل نظام مكافحة التستر التجاري، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/4) وتاريخ 1442/1/1هـ، خطوة استراتيجية حاسمة في معالجة أحد أبرز التحديات المزمنة التي كانت تؤثر سلبًا على عدالة السوق وتنافسية المنشآت. فقد جاء هذا النظام برؤية جديدة تركز على الوقاية، والرقابة الفعالة، والعقوبات الرادعة، حيث مكّن الجهات الرقابية من أدوات متقدمة لكشف حالات التستر، من خلال التكامل مع قواعد البيانات الحكومية، واستخدام الأدلة الرقمية في إثبات المخالفات، وتفعيل التحريات المالية والمصرفية. كما أولى النظام عناية كبيرة بحماية المبلّغين، وفتح المجال أمام المتورطين لتصحيح أوضاعهم طواعية، مما ساعد في تقليص عدد المخالفات وتعزيز الامتثال. ويُعد هذا النظام من أبرز أدوات تحقيق العدالة في السوق، ودعم نمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة، ورفع نسبة مشاركة السعوديين في الأنشطة التجارية.
وتكاملًا مع النمو المتسارع للاقتصاد الرقمي، جاء نظام التجارة الإلكترونية، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/126) وتاريخ 1440/11/7هـ، ليمثل إطارًا تشريعيًا محوريًا لمواكبة التحول الرقمي في المملكة، وتعزيز ثقة المستهلكين في التعاملات الإلكترونية. وقد جاء النظام ليغطي الجوانب النظامية والفنية للعلاقة بين المستهلك والمورد، ويفرض التزامات واضحة على المتاجر الإلكترونية، مثل الإفصاح عن البيانات الأساسية، وتحديد الهوية التجارية، وضمان حقوق الاسترجاع خلال فترة محددة. كما نظم النظام الإعلانات الإلكترونية وألزم بعدم التضليل أو الإخفاء، مما أوجد بيئة أكثر شفافية وانضباطًا. وقد ساهم هذا التنظيم في تسريع نمو التجارة الرقمية، ودعم ريادة الأعمال، وفتح آفاق جديدة للابتكار في مجال التجارة والخدمات، خصوصًا مع تسارع استخدام المنصات والتطبيقات الذكية.
ولتعزيز الشفافية وتسهيل ممارسة الأنشطة التجارية، طورت الوزارة نظام السجل التجاري، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/113) وتاريخ 1443/12/3هـ، والذي شكّل نقلة نوعية في تنظيم بيانات المنشآت التجارية من خلال التحول الكامل نحو المعاملات الرقمية. وقد دعّمت ذلك اللائحة التنفيذية للنظام، الصادرة بتاريخ 20 رمضان 1446هـ الموافق 20 مارس 2025م، حيث وضعت آليات واضحة لتأسيس السجل وتعديله وشطبه، وأكدت على ضرورة تحديث البيانات بشكل دوري، وربط السجلات بمنصة موحدة تكفل التحقق من المعلومات وتقلل من ازدواجية القيد. كما منحت اللائحة الصلاحيات اللازمة للوزارة لتصحيح أو إلغاء السجلات غير المستوفية، بما يسهم في الحد من حالات التستر التجاري، ويعزز من دقة وشفافية السوق التجاري. ومن أبرز ملامح التحديث اعتماد رقم موحد للمنشأة يبدأ بالرقم (7) ليكون هو ذاته رقم السجل التجاري، وإلغاء السجلات الفرعية لصالح سجل واحد يغطي جميع الأنشطة دون تقييد جغرافي، مما يعكس مرونة أكبر في ممارسة الأعمال على مستوى المملكة.
وفي ذات الاتجاه، يُعد نظام الأسماء التجارية، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/100) وتاريخ 1443/9/19هـ، أداة محورية في حماية الهوية التجارية ومنع الالتباس بين المنشآت. وقد عززته اللائحة التنفيذية للنظام، الصادرة بتاريخ 20 رمضان 1446هـ، من خلال تنظيم إجراءات الحجز والتسجيل والتعديل إلكترونيًا، وتحديد معايير دقيقة لقبول الاسم التجاري بما يراعي الجوانب النظامية والشرعية واللغوية، ويمنع التضليل أو التشابه المخل. كما وفرت اللائحة آلية للاعتراض والنظر في التظلمات، ما يعكس التزام الوزارة بتهيئة بيئة تجارية عادلة ومنظمة، تدعم الثقة والاحترافية في التعاملات. وشمل التحديث إتاحة تسجيل الأسماء التجارية باللغتين العربية والإنجليزية، بما في ذلك الحروف والأرقام، وتنظيم ضوابط استخدام الأسماء العائلية، ومنع التشابه حتى في حال اختلاف النشاط، ما يعزز من وضوح الهوية التجارية ويمنع الالتباس في السوق.
وفي إطار تحديث الأنظمة المرتبطة بالأنشطة التجارية، تم تعديل نظام المعادن الثمينة والأحجار الكريمة، وذلك بموجب المرسوم الملكي رقم (م/87) وتاريخ 8 ربيع الآخر 1446هـ. وشملت التعديلات نقل اختصاص الإشراف على صناعة المعادن الثمينة والأحجار الكريمة إلى وزارة الصناعة والثروة المعدنية، بينما احتفظت وزارة التجارة بالإشراف على تجارة تلك المعادن. كما ألزمت التعديلات أصحاب المصانع والمشاغل باستخدام علامات دمغ مميزة لمشغولاتهم، ونظمت إقامة المعارض بالتنسيق مع الجهات المختصة، بهدف تعزيز الرقابة، وضمان جودة المنتجات، وحماية حقوق المستهلكين والمستثمرين في هذا القطاع الحيوي.
كما يُعد نظام الإفلاس، الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/50) وتاريخ 1439/5/28هـ، من أبرز الإصلاحات التشريعية التي أرستها المملكة لتعزيز بيئة الأعمال وتحفيز الاستثمارات. فقد جاء النظام ليعالج أوضاع التعثر المالي بمنهجية واضحة توازن بين حقوق المدين والدائن، وتتيح فرصًا لإعادة الهيكلة أو التصفية المنظمة. وقد تم تطوير اللائحة التنفيذية للنظام، وإطلاق مبادرات مؤسسية مثل لجنة الإفلاس، التي لعبت دورًا حيويًا في توحيد الإجراءات ونشر الوعي النظامي. ويعكس هذا التوجه التزام الدولة بتهيئة بيئة قانونية داعمة للنمو، تقلل من المخاطر النظامية، وتحفظ الاستقرار في الأسواق.
وفي إطار استكمال المنظومة التشريعية التجارية المتكاملة، تعمل الوزارة على مشروع نظام المعاملات التجارية، الذي يُنتظر أن يُحدث تحولًا نوعيًا في تنظيم العلاقات التجارية بين التجار، بما يتناسب مع تطورات الاقتصاد الحديث والتحول نحو نماذج الأعمال الرقمية والمرنة. ويهدف المشروع إلى تطوير منظومة قانونية متكاملة تحكم التعاملات التجارية، بما في ذلك العقود، والإثبات، والالتزامات، والتقادم، وغيرها من المسائل الأساسية التي لم تعد تغطيها النصوص التقليدية بشكل كافٍ. ويُرتقب أن يسهم النظام في تقليص النزاعات التجارية عبر توفير قواعد واضحة ومنصفة، ورفع كفاءة التقاضي أمام الجهات القضائية، لا سيما من خلال تبني مفاهيم مستحدثة مثل العقود الذكية والوسائل الإلكترونية في الإثبات. كما يعزز المشروع من التنافسية التجارية، ويمنح التجار والمستثمرين الثقة والمرونة اللازمة لمواكبة تطورات الأسواق المحلية والعالمية.
كما أن مشروع نظام حماية المستهلك، الذي يُنتظر إقراره، يمثل خطوة متقدمة نحو تعزيز العدالة في السوق، وتحقيق التوازن بين مصالح المستهلكين ومقدمي السلع والخدمات. ويهدف المشروع إلى إرساء إطار نظامي شامل يُعزز من حقوق المستهلك، ويكافح الممارسات التجارية غير العادلة مثل الغش، والتضليل، والمبالغة في الإعلانات، وعدم الإفصاح عن العيوب أو الشروط التعاقدية الجوهرية. كما يتضمن المشروع تنظيمًا دقيقًا لآليات الشكاوى والتعويضات، وتحديدًا واضحًا لمسؤوليات الموردين تجاه المستهلكين، بما في ذلك شروط الضمان والاسترجاع والإصلاح، وهو ما من شأنه أن يعزز من ثقة المستهلك ويشجع على الاستهلاك الواعي. ويُنتظر أن يسهم النظام عند إقراره في تحسين جودة السلع والخدمات في السوق السعودي، وتحفيز المنافسة العادلة، بما ينعكس إيجابًا على الاقتصاد الوطني ومستوى رضا المستهلكين.
ويُسجَّل هذا التقدم النوعي في تطوير البيئة التشريعية التجارية كأحد ثمار الدعم السخي والرؤية المتبصرة للقيادة الرشيدة، ممثلة في خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي عهده الأمين رئيس مجلس الوزراء صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز – حفظهما الله – حيث رسخت رؤية المملكة 2030 أسسًا استراتيجية لتحول اقتصادي شامل، جعل من تحديث الأنظمة وتمكين القطاع الخاص ركيزة أساسية للنمو والتنافسية والاستدامة.
وفي هذا الإطار، برزت وزارة التجارة كجهة رائدة في ترجمة مستهدفات الرؤية إلى إصلاحات تشريعية ملموسة، بفضل القيادة الحكيمة لمعالي الوزير الدكتور ماجد بن عبدالله القصبي، الذي يقود منظومة التجارة بفكر استشرافي يجمع بين الطموح العملي والابتكار، ويوازن باحتراف بين متطلبات التنمية الاقتصادية ومستهدفات التنافسية العالمية. فقد كانت توجيهات معاليه حجر الزاوية في صياغة مسار تشريعي متكامل يعيد هيكلة الأنظمة التجارية بروح عصرية، ويضع المملكة في موقع ريادي ضمن الاقتصادات الأكثر تطورًا وانفتاحًا. ويبرز حرص معاليه واهتمامه الدائم من خلال حضوره الفاعل لاجتماعات اللجان المختصة بمراجعة مشروعات الأنظمة التجارية، ولا سيما لجنة التجارة والاستثمار بمجلس الشورى، ما يعكس انخراطه المباشر في تفاصيل التطوير، وحرصه على أن تأتي النصوص النظامية معبرة عن واقع السوق وملبية لطموحات المستقبل. وبفضل قيادته المتبصّرة، تحوّلت السياسات والإجراءات إلى أدوات تمكين حقيقية تعزز ثقة المستثمرين، وترسّخ بيئة أعمال تتسم بالعدالة، والمرونة، والاستدامة.
وفي ذات السياق، يبرز دور المركز الوطني للتنافسية، بقيادة معالي نائب وزير التجارة الدكتورة إيمان المطيري، كأحد المحركات الرئيسة لدفع الإصلاحات التشريعية والتنظيمية، ومتابعة تنفيذ المبادرات الداعمة لتحسين بيئة الأعمال في المملكة. وقد استطاع المركز، عبر آلياته المؤسسية وتعاونه الوثيق مع الجهات الحكومية، تحقيق نتائج ملموسة على أرض الواقع، أسهمت في رفع مستوى التنافسية، وتحسين ترتيب المملكة في المؤشرات الدولية، وتعزيز الثقة في منظومتها التشريعية والتنظيمية.
كما لا يمكن إغفال الدور البارز لمعالي مساعد وزير التجارة الأستاذ عبدالعزيز الدحيم، من خلال إشرافه الدقيق ومتابعته المستمرة لأعمال تطوير الأنظمة، إلى جانب ما يقدمه الفريق القانوني بالوزارة من جهود متميزة في إعداد وصياغة التشريعات التجارية، بما يعكس مهنية عالية ورؤية قانونية حديثة تتماشى مع مستهدفات التنمية الاقتصادية. وقد كان لهذا التكامل المؤسسي أثر ملموس في إخراج أنظمة ولوائح تنفيذية دقيقة وفعالة، تدعم التحول الاقتصادي، وتعزز ثقة المستثمر المحلي والدولي.
ختاماً، إن ما تقوم به وزارة التجارة من تطوير متكامل للأنظمة، وتحسين مستمر في البيئة التجارية والاستثمارية، يعكس توجهًا استراتيجيًا يجعل من المملكة نموذجًا رائدًا في تحديث التشريعات الاقتصادية، ومثالًا يُشار إليه بالبنان في بناء منظومة تجارية فعالة، شفافة، وجاذبة للاستثمار. ويُعد هذا المسار التشريعي الطموح ركيزة أساسية لدعم تنويع الاقتصاد الوطني، وتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030، من خلال تهيئة بيئة محفزة تحترم الحقوق، وتحمي الأسواق، وتفتح آفاقًا جديدة للنمو والابتكار.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال