الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
منذ زمن بعيد، حمل الأدب والدراما مفاتيح المدن إلى قلوب الناس، دون أن تطأ أقدامهم أرضها. نعرف زوايا نيويورك الخلفية، وشوارع إسطنبول القديمة، وأحياء القاهرة الصاخبة، ليس من خلال الزيارات، بل من روايات قرأناها وأفلام تابعناها ومسلسلات علقت في ذاكرتنا. فالفن بصوره المختلفة أصبح جواز سفرٍ بصريٍّ وحسي، ينقل روح المكان، ويزرعها في وجدان المتلقي أينما كان.
وفي موسم رمضان الماضي، خاضت الرياض هذه التجربة من خلال مسلسل شارع الأعشى، الذي استحوذ على اهتمام الشارع السعودي، وجذب المشاهد بتفاصيله الزمنية، من الأزياء واللهجة والعادات، حتى تشكلت علاقة وجدانية مع الشخصيات. لكن، حين نرى هذه التجربة من منظور “تسويق المدن”، تظهر ثغرة واضحة حيث أن البُعد المكاني بقي في الظل.
المكان في المسلسل لم يكن بطلاً كما كان الزمن. شارع الأعشى، رغم ارتباطه بالاسم، لم يتحول إلى نقطة جذب، لا لأهل الرياض ولا لزوارها. بينما لو حمل العمل اسمًا مثل الدحو، حي ينبض الآن بالحياة، بمقاهٍ جديدة، ومحالّ تفتح ذراعيها للزوار. تخيلوا أن يكون المشاهد قد خرج من الحلقة، وذهب إلى الدحو ليتشمم رائحة المشهد الأخير، أو يبحث في الزوايا عن ظلّ أحد الأبطال.
ومن زاوية أخرى، يبرز فيلم ولاد رزق ٣ كتجربة أكثر نضجًا في هذا السياق. فالفيلم لم يكتفِ بالسرد، بل جعل من الرياض ميدانًا حيويًا لمشاهد الأكشن، أظهر المدينة بوجه عصري، نابض بالحياة، مختلف عن الصورة النمطية المعتادة. رأينا الرياض تتحول إلى بطل سينمائي، بمبانيها، شوارعها، وطاقتها الحديثة، مما يعزز من حضورها كوجهة عالمية.
الرسالة هنا واضحة: حين تُظهر الأعمال الفنية المكان والزمان معًا، تُخلق قيمة مضافة تتجاوز المتعة البصرية إلى التأثير الفعلي في الوعي الجمعي، والسياحة، والانطباع العام عن المدينة.
والمطلوب اليوم هو تحفيز هذه الرؤية بدعم المبدعين، وسَنّ تشريعات تُسهل التصوير والإنتاج، وتوجيه الأعمال لتحتضن جغرافيا الوطن وثقافته. فمشهد درامي واحد قد يختصر كتبًا من التاريخ، وقد يصنع من زقاق بسيط مَعلمًا لا يُنسى.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال