الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
يعتبر تَقَاضِي الْمُتَخَاصِمَيْنِ واللجوء إلى المحاكم أو وسائل التحكيم الأخرى للوصول إلى تسوية للنزاع ذو تكاليف بَاهِظة في ضوء التطور الملحوظ والمحمود في إجراءات التقاضي في المملكة العربية السعودية نتيجة تطور التشريعات والاجراءات ووسائل التقاضي وذلك في سبيل الحد من الدعاوى الكيدية والصورية، وتعزيز الوسائل البديلة لتسوية المنازعات، وتمكين سُبل العدالة الوقائية والعقود التوثيقية، والمساهمة في رفع كفاءة المنظومة العدلية.
وقد تَصل التكاليف الرسوم الحكومية القضائية فقط أمام الجهات القضائية الرسمية إلى 1,000,000 ريال وفقا لنظام التكاليف القضائية الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/16) وتاريخ 30-1-1443هـ، دون حساب تكاليف أتعاب المحامين أو تكاليف الخبراء أو ما يترتب على ذلك من طلبات عارضة أو طلبات الاستئناف والنقض والتماس إعادة النظر وغير ذلك من طلبات لها تكاليفها القضائية، أو الضمانات البنكية المشروطة عند التقدم بتظلم أمام لجان النظر في تظلمات المتنافسين والمتعاقدين وطلبات تعديل الاسعار وفقا لنظام المنافسات، والتي تصل تكاليفها بعشرات الملايين.
كل ذلك دون حساب تكاليف التحكيم إن وجدت، والتي تُوسّع بالعمل بها أخيراً حتى أصبحت شاملة لبعض النزاعات المتعلقة بالجهات الحكومية، بعد أن كان الأصل عدم جواز تقاضي الجهات الحكومية وفقا لنص المادة (العاشرة/٢) من نظام التحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م / 34) بتاريخ 24 / 5 / 1433 على أنه ( لا يجوز للجهات الحكومية الاتفاق على التحكيم إلا بعد موافقة رئيس مجلس الوزراء، ما لم يرد نص نظامي خاص يجيز ذلك)، وقد نص نظام المنافسات والمشتريات الحكومية في المادة (الثانية والتسعون/٢) على أن (للجهة الحكومية -بعد موافقة الوزير- الاتفاق على التحكيم وفق ما توضحه اللائحة) كما يجوز وفقا للمادة (الرابعة والثلاثون/٢) من نظام التخصيص (أن يتضمن عقد التخصيص شرطاً لفض أي نزاع ينشأ عنه، أو عن أي عقد تابع له عن طريق التحكيم، أو إبرام اتفاق للتحكيم؛ لتسوية نزاع قائم ناشئ عن العقد، أو عن أي عقد تابع له)، كما أصدر المركز الوطني للتخصيص قواعداً للتحكيم في عقود التخصيص.
فضلا عن حجم الاستثمارات الخارجية أو الأثر الضخم لصندوق الاستثمارات العامة وشركاته على القطاع الخاص وما قد ينشأ تبعاً لذلك من نزاعات تجارية أو تعاقدية عديدة وبقيم مالية كبيرة.
إن الغاية من ذلك بيان أن التقاضي مهم جدا في الفصل في الحقوق وفي ضمان العدالة والنزاهة والشفافية، مما جعله ركيزة مهمة لجذب الاستثمارات الأجنبية، وفي الارتقاء ورفع كفاءة القطاع الخاص، إلا أن من طبيعة التقاضي أنه مكلف من كافة الأوجه، مما يعزز الحاجة الملحة إلى تمويل لتكاليف التقاضي بكافة أنواعه.
ويمكن تعريف تمويل تكاليف التقاضي بأنه آلية تمويلية يُقدِّم فيها طرف ثالث (مستثمر أو شركة تمويلية متخصصة) الدعم المالي لتغطية تكاليف الدعوى القضائية (مثل تكاليف المحامين، والخبراء، والرسوم الحكومية القضائية) مقابل حصوله على نسبة من التعويض المالي في حالة الفوز بالقضية، ولا يلتزم المتنازع بسداد تكاليف التقاضي سواء في حال الفوز أو الخسارة، مما يجعل من تمويل التقاضي أداة استراتيجية تلبي احتياجات الشركات وترفع كفاءة إدارة المخاطر المالية للشركات، وتدعم النمو والتنافسية فضلا عن تعزيز الثقة في بيئة أعمال تشهد نموا ديناميكيا في ظل التوسع الاقتصادي المصحوب برؤية 2030، ونذكر بعضا من هذه الفوائد على النحو الآتي:
1. التخفيف على الشركات من التكاليف المالية المسبقة عبر تحميل شركة التمويل تكاليف التقاضي مما يخفف العبء المالي ويعزز من نمو الشركات.
2. يعتبر تمويل التقاضي غير تابع للديون، فلا تتحمل الشركة المقترضة مسؤولية سداد المبلغ المُقترض إذا فشل المشروع أو الأصل المُمول في تحقيق العوائد المتوقعة، ما يعني هذا أن الشركة المُمَوَّلة لا تلتزم برد الأموال إلى جهة التمويل إذا خسرت القضية، لأن السداد يعتمد كليًّا على عوائد القضية ذاتها.
3. سيحسن من الميزانية العمومية للشركات عبر عدم تسجيل تكاليف التقاضي كالتزامات في البيانات المالية، مما يحسن نسب الدين إلى الأصول، ويجعل الشركة المساهمة والمدرجة أكثر جاذبية للمستثمرين.
4. وبالتأكيد تعزيز السيولة النقدية، وتوجيه الأموال الداخلية للشركة نحو الاستثمار في الأنشطة الأساسية (التوسع، التطوير، التوظيف) بدلًا من إنفاقها على نزاعات قضائية قد تستمر لسنوات.
5. تمكين الشركات الصغيرة والمتوسطة من المطالبة بحقوقها دون الخوف من تكاليف التقاضي وأثر خسارة الدعوى فيها، ورفت كفاءة إدارة محفظة النزاعات في الشركات.
6. خلق وظائف وفرص عمل عالية التخصص، إذ أسهم قطاع تمويل التقاضي في المملكة المتحدة وحدها في خلق أكثر من 10,000 وظيفة قانونية خلال خمس سنوات، تشمل محامين، محللين قانونيين، مستشارين، وخبراء في قطاعات دعم التقاضي.
7. رفع الجاذبية للاستثمار الأجنبي، لارتباط ذلك في مؤشرات سهولة ممارسة الأعمال وجاذبية بيئة الاستثمار.
8. أداة رئيسية لإحياء أصول متعثرة كانت مهددة بالإفلاس أو التجميد، من خلال توفير التمويل اللازم لرفع الدعاوى أو استرداد الحقوق المرتبطة بهذه الأصول.
9. زيادة فرص الفوز بالقضايا، فشركات التمويل القانوني تختار فقط القضايا ذات الاحتمالات العالية للفوز بعد تحليل مُفصل، مما يضمن للشركة الحصول على دعم من خبير استشاري وقانوني .
10. نمو قطاع المحاماة والاستشارات القانونية ورفع كفاءته.
11. تعزيز الموقف التفاوضي، فوجود تمويل خارجي يعطي إشارة قوية للخصم بأن القضية مدعومة ماليًّا وقانونيًّا، مما قد يدفع الخصم لتسوية سريعة خارج المحكمة.
12. دعم الشراكات من خوض نزعات عبر الحدود (مثل نزاعات مع شركاء أجانب) عبر تمويل يُغطي تكاليف التحكيم الدولي أو الإجراءات القانونية المعقدة.
13. فضلا عن أن ذلك يتوافق مع رؤية 2030 عبر تحقيق رفع كفاءة المنظومة العدلية وتعزيز اسناد الكثير من النزاعات للتحكيم.
إن تمكين تمويل التقاضي والترخيص لشركات متخصص لتمويل التقاضي أداة استراتيجية تُحول النزاعات من عبء مالي إلى فرصٍ استثمارية فضلا عن التمكين في استرداد حقوق وتحقيق العدالة، وسنذكر في مقال قادم إن شاء الله نموذج ومثال تطبيقي يعكس القيمة الاقتصادية لتمويل التقاضي.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال