الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في زحمة الأخبار العالمية، تبرز السعودية بقوة كلاعب رئيسي في تحولات القرن الحادي والعشرين، لكن قصتها الحقيقية لم تصل بعد إلى كل أركان العالم كما تستحق. تخيل معي لحظة: شاب فرنسي يتصفح هاتفه في مقهى باريسي، فتظهر له إعلانات عن “موسم الرياض” بينما يشاهد تقريرًا على “يورونيوز” عن مدينة “ذا لاين” المستقبلية. في نفس اللحظة، تتابع سيدة أعمال صينية على “ويبو” تغطية حية لافتتاح “نيوم”، بينما يناقش طلاب في جامعة هارفارد فرص التوظيف في المملكة بعد مشاهدتهم وثائقيًا على “نتفليكس” عن ثورة التعليم السعودي. هذه ليست خيالًا، بل مشهدًا يمكن تحقيقه إذا أحسنا تقديم رؤية 2030 للعالم.
المملكة اليوم ليست فقط بلد النفط والصحراء، بل أصبحت ورشة عمل ضخمة تنتج المستقبل في كل مجال. لدينا “القدية” التي ستكون أكبر مدينة ترفيهية في العالم، و”نيوم” التي تعيد تعريف الحياة الحضرية، و”ذا لاين” الذي يشق طريقه كأطول خط مستقيم على الأرض. لدينا جامعات تخرج مبتكرين، ومسارح تقدم عروضًا عالمية، واقتصادًا رقميًا ينمو بسرعة الضوء. لكن السؤال الأهم: هل يعرف العالم كل هذا؟ الإجابة المحزنة هي أن كثيرين ما زالوا ينظرون إلينا من خلال صورة قديمة عفا عليها الزمن.
هنا تكمن الفرصة الذهبية. العالم اليوم يعيش على القصص، والمملكة تمتلك أجمل القصص التي لم تروَ بعد. تخيل لو استطعنا إنتاج مسلسل وثائقي بعنوان “صناعة المستقبل” يُعرض على “بي بي سي” و”سي إن إن”، يتابع يوميات مهندسة سعودية تعمل في “نيوم”، وشاب من جدة أسس شركة ناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، وعائلة ألمانية قررت الاستثمار في القطاع السياحي السعودي بعد زيارة العلا. هذه ليست مجرد أفلام، بل نوافذ تفتح عقول الملايين على المملكة الجديدة، ولكن كيف يمكن ترجمة هذه الطموحات إلى لغة يفهمها العالم؟
في عام 2016، أطلقت السعودية رؤية طموحة بكلفة تريليون دولار، واليوم، بعد ثماني سنوات فقط، أصبحت هذه الرؤية حقيقة ملموسة بأرقام تفوق التوقعات. لنبدأ بالاقتصاد، قلب الرؤية النابض، حيث حققت المملكة في 2023 نموًا غير نفطي بنسبة 4.8%، متجاوزة توقعات صندوق النقد الدولي. مشروع “نيوم” وحده يستقطب استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار، بينما تخطت “القدية” استثمارات أولية بقيمة 8 مليارات دولار.
أما “ذا لاين”، ذلك المشروع الذي يسخر العالم له رأسه متسائلًا، فتبلغ تكلفته 100 مليار دولار وسيستوعب 9 ملايين شخص عند اكتماله. في مجال الطاقة المتجددة، تقفز السعودية من الصفر إلى 50% من احتياجاتها الكهربائية من مصادر متجددة بحلول 2030، حيث بدأ مشروع “سكاكا للطاقة الشمسية” بتوليد 300 ميغاواط، وهو مجرد بداية لسلسلة مشاريع تهدف لإنتاج 58.7 جيجاواط من الطاقة النظيفة.
السياحة تشهد طفرة غير مسبوقة، فقد ارتفع عدد السياح من 15 مليون في 2022 إلى 100 مليون مستهدف في 2030، و”موسم الرياض” وحده جذب 15 مليون زائر في نسخته الأخيرة، محققًا عائدات تجاوزت 1.8 مليار دولار، بينما ارتفع عدد الجامعات السعودية في تصنيف “التايمز” العالمي من 3 جامعات في 2018 إلى 15 جامعة في 2023، وبرنامج الابتعاث الخارجي درّب أكثر من 200 ألف طالب وطالبة في أفضل الجامعات العالمية بكلفة تجاوزت 7 مليارات دولار. في القطاع المالي، تقدر قيمة صناعة التمويل الإسلامي في المملكة بنحو 1.2 تريليون دولار، تمثل 52% من السوق العالمية.
لكن كيف نترجم هذه الأرقام المذهلة إلى سردية إعلامية تصل إلى كل عقول العالم؟ نحتاج إلى خطة ذكية تتحدث بلغات متعددة، حيث يمكننا إطلاق منصة رقمية تعرض هذه الإنجازات برسومات تفاعلية تظهر كيف نمت الاستثمارات الأجنبية من 1.4 مليار دولار في 2016 إلى 19 مليار دولار في 2023، وكيف قفزت مشاركة المرأة في سوق العمل من 19% إلى 37% خلال سبع سنوات، وكيف انخفضت البطالة بين السعوديين من 12.8% إلى 7% بنهاية الربع الرابع من العام الماضي 2024. العالم يحتاج أن يسمع أن السعودية أصبحت ثالث أسرع اقتصاد نموًا في مجموعة العشرين، وأنها تستهدف جذب 3.3 تريليون ريال استثمارات أجنبية مباشرة بحلول 2030.
هذه ليست مجرد أرقام جافة، بل قصة تحول مدهشة تنتظر من يرويها للعالم. التحدي ليس سهلًا، بعض وسائل الإعلام العالمية قد تروج لصورة مشوهة، والبعض الآخر قد لا يهتم إلا بالسلبيات. لكن الحل ليس في الشكوى، بل في صناعة محتوى جذاب لا يستطيعون تجاهله، لماذا لا نستخدم تكنولوجيا الواقع الافتراضي لنقل الجامعات العالمية إلى قلب “ذا لاين”، أو ننظم مسابقة دولية لأفضل فيلم قصير عن رؤية 2030 يشارك فيها شباب من كل الدول؟
المملكة تكتب تاريخًا جديدًا بالأرقام، والعالم لن يصدق عينيه عندما يرى الحقيقة كاملة. رؤية 2030 ليست مجرد خطة اقتصادية، بل هي قصة إنسانية عن شعب قرر أن يغير مصيره، قصة تستحق أن تصل إلى كل إنسان على هذا الكوكب، لأنها تثبت أن المستحيل ممكن عندما تتوفر الإرادة. المستقبل ليس شيئًا ننتظره، بل شيئًا نصنعه، والآن حان الوقت لنصنعه أمام أعين العالم كله.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال