الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في محاضرة شيقة قيمة بعنوان “تطورات وأبعاد وتأثيرات أزمة الرسوم الجمركية الأمريكية عالميًا” نظمتها جمعية ” رأي” نبهنا الخبير الاقتصادي محمد العنقري الى ان الحكومة الامريكية ممثلة في رئيسها الجديد مررت في خضم التركيز على الحرب الجمركية مع الصين رفع رسومها الجمركية الى خمسة اضعاف وصولا الى 10% على الجميع مع استثناءات قليلة معروفة.
لم يركز الاعلام والناس وحتى بعض الحكومات على ذلك لان التركيز انصب على النسب الفلكية الموجهة للصين، الهدف الرئيسي لكل ذلك، وهو ليس هدف اقتصادي بحت او نقي بقدر ما يحمل في ثناياه من تموضع سياسي لا يخفى على متابع حصيف.
الانتباه في عالم الاتصال اليوم هو سيد اللعبة، وبما ان الاعلام يتركز اليوم في وسائل التواصل ذات الاستهلاك اللحظي فهو اصبح الهدف الأساس ليس لتحقيقه فقط، بل أيضا الوصول الى تشتيته عن نقاط معينة وجعله يتوجه الى نقاط أخرى.
لن اتحدث عن هذه الحرب بين الطرفين، فهي ربما تطول او تقصر تبعا للأجندات السياسية، لكنني حاولت توجيه الانتباه الى ما وراء الاخبار، او ما وراء الفلاشات والتغريدات سعيا وراء معرفة تأثير كل ذلك علينا في المنطقة، والأهم في بلادنا التي تسير قدما نحو اهداف استراتيجية.
معظم التقارير تجمع على ان التأثير طفيف على المملكة وبعض دول الخليج نتيجة طبيعة الميزان التجاري ونوعية الصادرات النفطية ومشتقاتها المعفية من الرسوم، لكنها أيضا تجمع على ان تأثر الاقتصاد العالمي عند حدوثه سيلقي بظلاله على أسعار النفط وبالتالي على مداخيل بعض الدول.
هذه الأزمة تؤكد أهمية ما نقوم به في المملكة من تنمية وتنويع الاقتصاد غير النفطي، وزيادة مساهمته في الناتج الإجمالي المحلي عاما بعد عاما، وربما هي ستسرع تنفيذ بعض الخطط او الاستراتيجيات التي تخدم هذا الهدف.
أيضا هي تؤكد أهمية “كفاءة الانفاق” والتحكم في الدين العام وجعله مستداما ولا يؤثر على التصنيف الائتماني، ونحن نعلم كما بات واضحا للجميع ان من أسباب الحرب التي تشنها الولايات المتحدة وصول دينها العام الى نسب ” مقلقة” حيث واصلت الفوائد الأمريكية على الديون ارتفاعها لتصل في يناير 2025 إلى 18.7% من الإيرادات الفيدرالية، وهو أعلى مستوى منذ التسعينيات، مقتربة من الرقم القياسي المسجل في 1992 وهو 18.9% كما قرأت في تقرير مهم ومميز نشرته صحيفتنا ” مال ” الشهر الماضي.
التقرير نفسه أشار الى تحمل الولايات المتحدة حاليا ديون حكومية تبلغ 36.2 تريليون دولار، ومع حلول عام 2025، من المتوقع أن يحل موعد سداد ديون أميركية بقيمة 9.2 تريليون دولار، أي ما يعادل 25.4% من إجمالي الديون. ومنذ عام 2008، زادت الديون بمقدار 23 تريليون دولار، بزيادة قدرها 230%.
الافراط في الاستهلاك، والاتكال في الإنتاج على الغير أيضا هو من الدروس المستفادة من هذه الازمة كما احسب، وهذا أيضا يؤكد أهمية ما تم ويتم في ظل رؤية 2030 من برامج ومبادرات تصب في زيادة الإنتاجية والابتكار والبحث العلمي.
حتى تتجنب تأثير الغير عليك يجب ان تكون أولا معتدا بنفسك الاعتداد المتكئ على أساس اقتصادي صحيح، وان تكون مكتفيا قدر الإمكان في مجالات حيوية لا تؤثر على قوتك وصمودك، وكلما قل احتياجك للغير، وزاد احتياجهم لك أصبحت في موضع اتخاذ القرار الأقوى، وهذا ما يحدث اليوم مع الولايات المتحدة التي تفعل كل ذلك لأنها تستطيع، ولأنها ترتكز على مقومات لا تتوفر لمعظم منافسيها.
هذه الأمور لا يمكن النظر اليها عاطفيا فقط، وما تقرأه او تسمعه من امنيات ” ثورية” بعيدة عن الواقع والأرقام هي مجرد محاولات لفت انتباه، ويجب على المتبصر ان يحكم بموازين عقلية قبل ان يقدم على اعلان امانيه فقط لشد الانتباه اللحظي واثارة حماسة “المتابعين”.
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال