الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
في توقيت بالغ الحساسية، يحط وزير الطاقة الأمريكي رحاله في الرياض، التي اصبحت من العواصم المهمة في اتخاذ القرار الاقتصادي والسياسي العالمي. زيارة تحمل في طياتها أبعادًا أبعد من المجاملات الدبلوماسية، فهي تأتي في ظل تصاعد التوترات التجارية بين واشنطن وبكين، والتغيرات العميقة التي قد تحصل في خريطة تدفقات النفط عالميًا، والتحديات المتزايدة التي تواجه صادرات النفط الصخري الأمريكي.
السؤال الجوهري هنا ليس عن جدول أعمال الزيارة، بل عن دوافعها الحقيقية: ماذا يريد الوزير الأمريكي من الرياض؟
أولاً، لا يمكن فهم خلفية هذه الزيارة دون الإشارة إلى إعلان إدارة الرئيس الأمريكي ترامب احتمال رفع التعريفات الجمركية على واردات صينية بنسبة قد تصل إلى %50. هذه الخطوة زلزلت ثقة الأسواق العالمية، وأطلقت شرارة تصعيد تجاري غير مسبوق بين أكبر اقتصاديين في العالم. ورغم أن النفط لم يكن ضمن السلع التي فرضت عليها رسوم مباشرة، إلا أن تداعيات التصعيد قد تُلقي بظلالها على صادرات النفط الأمريكية التي تصل إلى 4.1 مليون برميل يوميًا، خصوصًا أن الصين تمثل سوقًا رئيسية للنفط الأمريكي، حيث تستورد يوميًا نحو 450 ألف برميل.
هنا يظهر الخطر: إذا ما قررت مصافي التكرير الصينية أو غيرها في آسيا وأوروبا خفض وارداتهم من النفط الأمريكي كرد فعل على التصعيد، فإن حصة النفط الأمريكي في السوق الآسيوية والأوروبية قد تتبخر، وهي خسارة قد تكون دائمة في سوق يتحرك على أسس الثقة والموثوقية والاستقرار، لا على وتيرة التوترات والرسوم الانتقامية.
ماحصل من تجاذب في المواقف بين أكبر اقتصاديين في العالم أظهر خطورة فقدان النفط الأمريكي لحصته في الأسواق الصينية، التي ان خسرتها فلن تعود، وهذا ينطبق على دول أخرى في استطاعتها تطبيق التصرف الصيني ان تم، مما قد يضيق سوق الإمدادات الأمريكية في الأسواق العالمية وقد يُصيب شعار drill baby drill في مقتل.
المملكة العربية السعودية، بفضل موثوقية امداداتها النفطية ودورها المحوري في توازن أسواق النفط واستقرار الاقتصاد العالمي، تُعد البديل الطبيعي والأكثر موثوقية لأي نقص محتمل من الإمدادات الأمريكية.
ان كانت واشنطن تعتقد بأن الرياض ستعوض البراميل الأمريكية في السوق الصينية فالاحتمال وارد خاصة أن المملكة العربية السعودية وان كانت تراعي المصلحة العامة الا انه ليس على حساب مصالحها الوطنية وأمن الطاقة العالمي وموثوقية امداداتها النفطية ومكانتها في استقرار الأسواق العالمية.
تحالف منتجي “أوبك بلس” قد رفع الإنتاج بمقدار 411 ألف برميل يوميًا، وهو أعلى من توقعات السوق وهناك المزيد من البراميل قادم تدريجيا للسوق، ما يعكس استعدادًا استباقيًا لتعويض أي نقص محتمل في الإمدادات الأمريكية. وفي ظل تصاعد الضبابية، هناك احتمال وارد بأن تعيد مصافي التكرير حول العالم، خاصة في آسيا، تقييم استراتيجياتها بعيدًا عن النفط الأمريكي، متجهين نحو إمدادات اكثر موثوقية.
قد يُمثل هذا التحول فرصةً سانحة لمنتجي “أوبك بلس” لتعزيز حضورهم في الأسواق الرئيسية من خلال الاستفادة من التوازن بين أوروبا وآسيا، يُمكنهم تقليل الاعتماد العالمي على الصادرات الأمريكية وتوسيع حصصهم السوقية. تجدر الإشارة إلى أن غالبية صادرات النفط الصخري الأمريكي تتم عبر صفقات السوق الفورية. يتيح هذا النهج للمستوردين مرونةً التغيير دون الالتزام باتفاقيات توريد طويلة الأجل.
في هذا السياق، قد تكون زيارة وزير الطاقة الأمريكي محاولة لطلب مشورة، أو حتى دعم غير مباشر، لتجاوز مأزق صادرات النفط الأمريكية وسط حرب تجارية لا تُبشّر بالاستقرار. ولكن هل الرياض معنية بحل أزمة اختلقتها قرارات أمريكية أحادية؟
وهنا يكمن السؤال المفصلي حول زيارة وزير الطاقة الأمريكي للرياض في هذا التوقيت الحساس، خاصة أن منتجي “أوبك بلس” قد بدأوا برفع الإنتاج تدريجيًا والاسعار في نطاق منخفض عند مستويات 60 دولار، فهل وراء الزيارة طلب المشورة في حال عزوف مصافي التكرير الصينية وغيرها عن امدادات النفط الامريكي؟
في المحصلة، يبدو أن زيارة وزير الطاقة الأمريكي للرياض ليست مجرد زيارة رسمية، بل تعكس مرحلة مفصلية في علاقات الطاقة الدولية، تُعيد تعريف النفوذ، والتحالفات، والتوازنات في سوق عالمي يشهد إعادة تشكيل عميقة. وقد تكون الرياض مرة أخرى في قلب هذا التغيير، لا كمجرد متفرج، بل كصانع قرار عالمي.
عموما، اختم واقول: (الرياض لا تنتظر، بل يُنتظر منها ..)
الناشر: شركة مال الإعلامية الدولية
ترخيص: 465734
©2025 جميع الحقوق محفوظة وتخضع لشروط الاتفاق والاستخدام لصحيفة مال